23 ديسمبر، 2024 12:53 ص

سوريا بين الضارب والمضروب

سوريا بين الضارب والمضروب

من مجمل التصريحات التي خرجت من طهران حول الغزو الجوي الإسرائيلي الأخير لسوريا وتدمير 12 موقعا عسكريا تابعا للقوات الإيرانية ومليشياتها اللبنانية والعراقية لم نجد واحدا من جميع القادة النظام الإيراني يشير إلى علاقة إيران بها.
بالمقابل يباهي نتنياهو بأن إسرائيل “لن تسمح بأي تموضع عسكري إيراني في سوريا”. ويقول: “أوضحنا للجميع أن قواعد الاشتباك الخاصة بنا لن تتغير بأية طريقة. سنواصل ضرب كل من يحاول ضربنا”.
وكتب على صفحته على فيسبوك يقول، إن”إيران قامت اليوم بمثل هذه المحاولة. إنها خرقت سيادتنا. إنها أرسلت طائرة إلى أراضينا من سوريا. سلاح الجو أسقط تلك الطائرة، وضرب مركز السيطرة والتحكم الذي أطلقها. إسرائيل ضربت بقوة أيضا أهدافا إيرانية وسورية عملت ضدنا. هذا هو حقنا وواجبنا، وسنواصل ممارستهما وفق الحاجة. فلا يخطيءْ أحدٌ بذلك”.
وليس هذا وحسب، بل وجه وزير الاستخبارات الاسرائيلي، يسرائيل كاتس، تهديدا صريحا لإيران قائلا: ” إنها لو استمرت في التهديد والقيام بعمليات هجومية ضد إسرائيل من سوريا فان إسرائيل ستلقنها درسا لن تنساه ابدا”.

وقال” إسرائيل غير معنية بالتصعيد، إلا أنها ستستمر في تطبيق الخطوط الحمراء، كما فعلت البارحة. إنها لن تُسلم بالتموضع الإيراني في سوريا، والمسّ بسيادتها، ونقل الاسلحة المتطورة لحزب الله في لبنان، وبناء القدرة المحلية لتصنيع وتطوير الصواريخ في لبنان، على يد ايران لحزب الله”.

وهنا ليس ضروريا أن نشغل قراء العرب بالدوافع التي قادت إلى ما جرى بين إسرائيل وإيران وحزب الله والرئيس السوري الذي لأطلقت عليه صحيفة (قانون) الإيرانية لقب (الرئيس المخنث).
ورغم تسليمنا بأن غطرسة إسرائيل وتعدياتها على الدولة السورية، من نصف قرن أو يزيد، إجرام وعدوانٌ واستهتار وإهانة للسيادة الوطنية السورية، إلا أن العتب ليس عليها بل على النظام الذي يستأسد على شعبه ويتأرنب أمام المعتدين الغزاة، ولا يهمه غير بقائه في الحكم، ولو على الخوازيق.
فالطيران الإسرائيلي كان، ولا يزال، سيد الأجواء السورية، من أول أيام الحاكم الأب، وعلى مدى عُمر نظام وريثه، ولم يُغير طبيعته تلك حتى في ظل الوجود العسكري والأمني والسياسي للنظام الإيراني الذي ظل قادته العسكريون والمدنيون، معا، يفاخرون، في تصريحاتهم المتلاحقة، بقوة الدعم العسكري الذي يقدمونه لنظام الأسد.

ومن أهم تلك المفاخرت (العنترية) وأوضحها كان إعلانُ الجنرال محمد اسكندري قائد فيلق الحرس الثوري بمدينة ملاير في محافظة همدان وسط إيران الذي قال “إن الحرب في سوريا هي في واقع الأمر حرب إيران ضد الولايات المتحدة الأميركية”.
ثم كشف قائد الحرس الثوري “حسين همداني” النقاب، بعظمة لسانه، عن تكوين 42 لواء و138 كتيبة تقاتل في سوريا لصالح بشار الأسد.
ومعروف أن قادة النظام الإيراني ومناصريه الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين يبررون احتلالهم لسوريا والعراق ولبنان بأنه من أجل تحرير فلسطين، فلم يتوقفوا، منذ تسلم الخميني السلطة عام 1979، عن الهتاف بالموت لأمريكا، ولم يكفّوا عن التعهد بمحو إسرائيل.
وقد جاءتهم الفرصة الذهبية، مؤخرا، ماشية على يديها ورجليها، ولكنهم جبنوا ولم يترجموا تهديداتهم إلى جهاد إسلامي مقدس، كما كانوا يزعمون.
فإذا كانوا لا ينوون، ولا يجرؤون على رد الإهانة، في أقل تقدير، رفعا لعتب الجماهير السورية والإيرانية، فلماذا، إذن، تحرشوا بنتياهو، ولماذا أطلقوا طائرتهم المسيرة التي ثبت أنها مستنسخة من طائرة أمريكية من نوع Sentinel (الحارس) كانت قد أسقطت في إيران عام 2011؟
ولم يجد نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، العميد حسين سلامي، ما يرد به على سؤال صحفي حول الغارات الإسرائيلية الأخيرة على المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا سوى القول، وفقا لما نقلته وكالة أنباء تسنيم المقربة من الحرس الثوري: إن “إيران أصبحت قادرة على تدمير كل القواعد العسكرية الأمريكية بالمنطقة وإسرائيل”.
وأضاف قائلا: “ليس لدينا تواجد عسكري في سوريا، وإن تواجدنا استشاري، حيث إن قدرة الجيش السوري على الدفاع عن أراضيه تكفي”.
وقال: “أمريكا قامت بفرض حظرٍ على إيران، لكننا تقدمنا، واليوم يُمكننا، في هذه النقطة، تدمير جميع القواعد الأمريكية في المنطقة، وتحويل أرض الصهاينة إلى جحيم”.
أما إسرائيل، من جانبها، فلم تشجب، ولم تندد، ولم تتوعد بأن ترد (في الوقت المناسب) على إسقاط إحدى طائراتها في سوريا بالمقاومات الإيرانية، بل هبت على الفور، وأرسلت طاراتها الحربية، علنا وفي وضح النهار، لتصفع الهيبة الإيرانية بسياطٍ من نار، ولتجعل السيادة الوطنية التي يتحدث عنها بشار الأسد خرقة بالية ليس لها قيمة.
ومنذ بدء النزاع في سوريا في 2011، وحتى يوم أمس قصف الطيران الإسرائيلي مئاتٍ من الأهداف العسكرية المهمة العديدة التابعة للجيش السوري ولحزب الله وإيران ومليشياتها في سوريا. وكثيرٌ منها لم تتحدث عنه إسرائيل.
ولولا خوفي من إطالة هذا المقال أكثر من اللازم لقدمت للقاريء سجلا موثقا بأخطر تلك الغارات على مطارات عسكرية ومدنية ومعامل أسلحة ومخابيء طائرات ومستودعات ذخيرة ومخازن صواريخ تحت أسماع الإيرانيين وأبصارهم، ومعهم حزب الله وباقي مليشياتهم الطائفية الإرهابية التي تباهي دائما بانتصاراتها البطولية، ولكن فقط على منازل السوريين التي هجرها شبابها ورجالها المقاتلون، ولم يبق فيها غير الأطفال والنساء والمسنين.
ومن عام 2011 وحتى أمس لم تردَّ القوات الإيرانية على أية غارة. أما نظام (الرئيس المخنث) فمن الثابت والاعتيادي أنه تعود على بلع الإهانات، أو على الزعم بأنه يحتفظ بحقه في الرد، ولكن في الوقت المناسب. وما زال العرب والمسلمون ينتظرون.