يتداول الوسط والشارع السوري عبارة ( التكويع)؟ بشكل كثير من بعد سقوط نظام بشار الأسد ، (والتكويع) تعني (المتقلبين)!، وتداول السوريين هذه العبارة بعد أن شاهدوا ، كيف أنقلب الكثيرمن السياسيين والذين كانوا محسوبين على النظام السابق ، وكذلك من الفنانيين والأدباء والمثقفين والشعراء والكثير من الوجوه الأعلامية ، المعروفة بتأييدها المطلق للنظام السابق ، حيث كانوا من المداحين والمطبلين والمسبحين بحمد النظام السابق والشكرله! ، وصاروا مع الثورة الجديدة!! . والسوريين يشيرون بعبارتهم هذه الى السخرية والأستهزاء والتهكم من أولائك الذين أنقلبوا بين ليلة وضحاها! على بشار أسد الأمس وصاروا مع أحمد الشرع اليوم!. ولكن دعونا نتوقف بعض الشيء لفحص هذه التقلبات السريعة في المواقف والأراء من قبل البعض! ، لاسيما عندما يكون هذا البعض ، من النخبة المجتمعية والسياسية ومن المعروفين من قبل الشارع السوري!. من وجهة نظري لا أرى في (التكويع) ظاهرة جديدة وخروج عن المألوف في مجتمعاتنا العربية! ، فالشعوب العربية ليس الآن ومنذ التاريخ معروفين (بتكويعهم)! وسرعة تصفيقهم للجديد القادم أن كان ملكا ، أميرا ، زعيما ، رئيسا ، وزيرا وحتى مدير عام! ، فالمجتمع العربي هذا ديدنه وهذه طبيعته فلم العجب في ذلك؟ ، فهكذا تربينا في ظل أنظمتنا الحاكمة الجائرة!؟،. فيمكن أن نتعجب أذا رأينا (التكويع) في دول الغرب وفي أوربا !!؟ ، أما في مجتمعاتنا العربية والأسلامية فأراه أمرا طبيعيا بل طبيعيا جدا! ، (فالتكويع) يكون حتى في مواقف وأمور لا تحتاج الى ذلك الأنقلاب والتغيير! والكثير الكثير منا عاش وشاهد (التكويع) حسب عبارة الأخوة السوريين ولكن بتسمية أخرى! ، ففي المجتمع العراقي نطلق عليهم عبارة (اللوكية!) ولربما يطلق عليهم عبارة وتسمية أخرى في مجتمع عربي آخر! ، (فالمتكوعيين واللوكية والمطبلين والمداحين ووعاظ السلاطين والمسبحين بحمد السلطان وشكره كلهم سواسية!) ، وهم موجودين منذ فجر التاريخ كما آسلفنا من قبل ، ومع ذلك علينا أن لا نكون قاسيين على ( المتكوعين) في سوريا كثيرا! ، فنظام فاشي مجرم قاسي لا يعرف الرحمة والأنسانية والضمير ، يقتل ويعتقل الناس على الظن والشبهه ، بحيث وجدت مقابر جماعية تضم رفاة أكثر من 200 ألف سوري تم قتلهم أو دفنهم وهم أحياء! ، فمن الطبيعي أن الأنسان الذي يعيش في ظل هكذا نظام لا ملامة عليه أن تكوع حتى النخاع! ، فالخوف من الموت أمر طبيعي لدى الأنسان الذي خلقه الله ، وياريت أن الموت في ظل الأنظمة الجائرة ينتهي بطلقة سريعة أو بضربة مميتة ، بل يسبقه تعذيب وممارسات لم تعرف من قبل! ، فلم الملامة والأستهزاء والتخوين أذاً؟ . وفي الحقيقة أن غالبية الشعب السوري هم من ( (المتكوعين) !! ، ولكن الذين تسلط عليهم الأضواء في مثل هكذا ظروف هم الوجوه النخبوية من السياسيين والفنانين والأدباء والمثفين والكتاب والشعراء! من أمثال الفنان الكبير (دريد لحام) وغيره من الفنانين! . وأسأل هنا : أليس (التكويع) هو قريب من مبدأ التقية؟! ، الذي عمل ويعمل به الكثيرين منذ فجر التاريخ ولحد الآن ، وتحديدا الشيعة! حيث عرف عنهم أتخاذ هذا المبدأ أتقاءً وتكفياً من شر الحاكم الظالم!! . فالأنسان هو الأنسان مثلما يمتلك غريزة الشجاعة ، ففي داخله غريزة الخوف! والمسألة تبقى نسبية بين شخص وآخر وبين أنسان وأنسان! . ولأن الأنظمة العربية كلها وبلا أستثناء هي أنظمة دكتاتورية لا تخاف الله وميتة الضمير فمن الطبيعي أن تكون شعوبها مقموعة صامتة مرعوبة تخاف السلطة ورعبها ، ولذا أن غالبية الشعوب في وطننا العربي أتخذوا من شعار (لا أرى لا أسمع لا أتكلم) طريقة للعيش في ظل أنظمتهم الجائرة ، وهم بالأكيد يظهرون غير ما يبطنون!! ، وبالتالي هم يعانون من آلام الكبت والسكوت لدهور وأزمان طويلة مكتفين بالدعاء من الله أن يفّرج عنهم كربتهم! ، ولهذا نرى (المتكوعين وأهل التقية) هم أكثر الناس فرحاً وغبطة عندما يسقط النظام الدكتاتوري وينزاح عن قلوبهم ، ذلك الهّم الذي جثم على صدورهم دهورا طويلة! . أنا هنا لست بصدد الدفاع عن (المتكوعين)! ، سواء أن كانوا في سوريا أو في أي بلد آخر، فالخوف من الموت والتعذيب والأعدام وهتك الأعراض هو، من يدفعهم الى السكوت والمجاملة وقول ما لا يؤمنون به! ومدح الظالم مجبرين على ذلك!؟ ، بسبب الخوف من السجون والمعتقلات والتغييب ومكابس البشر المرعبة!! . ومن الطبيعي أنهم لا يقارنون بمن تصدى للظلمة والمستبدين ، وقال كلمة حق بوجههم . ثم أنه في حياتنا العادية ، نرى الناس تتجنب الأنسان السيء الى حد الخوف منه! أولائك الذين نسميهم ( البلطجية والشقاوات والأبضايات) ، فما بالك بنظام يستمد بقائه ووجوده على زج الناس بالسجون وتعذيبهم وقتلهم وطمرهم بالمقابر لمجرد كلمة أو زلة لسان أو بالظن والأشتباه! ، فبالتالي لاأرى في (التكويع) شيء معيب! فنظام بشع مثل نظام آل الأسد ، حتى الموالين له وحلقته القريبة هي لا تؤمن به ولا تريده وسرعان ما تركته وهربت خوفا من غضبة الجماهير. (فالتكويع) في سوريا هو نتاج طبيعي لنظام جثم على صدر الشعب لمدة 54 سنة ، حكمها بالنار والحديد وبالموت!. وهنا لابد من الأشارة أنه حتى الذين آثروا الهروب وأنظموا الى صفوف المعارضة! ، لم يسلموا من جور وملاحقة النظام ، حيث أنتقم النظام من أقاربهم وأهلهم ومعارفهم في البلاد!!؟ ، لذا صار التصدي للنظام أمرا غاية في الصعوبة!؟. أن (المتكوعين وأهل التقية) هم نتاج للنظام الظالم والمستبد وغير العادل ، فالخلل هو بالمَلك والأمير وبالزعيم والقائد والرئيس وليس بالشعب!؟ . فالعيش في ظل الخوف والرعب يدفع بالأنسان الى التستر بأي شيء وتحت أية مسمى!؟ ، وزوال هذا الخوف والرعب يؤدي الى خروج الكوامن الحقيقية والمكبوته لدى الأنسان بأية طريقة ولا تهم عندها المسميات! . أخيرا نقول: متى ما يكون (العدل أساس الملك) في كل أنظمتنا العربية ، عندها سيختفي المتكوعين وأهل التقية وحتى المنافقين!؟.