أعلن المتحدث باسم تنظيم «النجباء» العراقي الإيراني أنه على استعداد مع عسكره لتحرير الجولان السوري (من إسرائيل) إذا طلب منه الأسد القيام بذلك. وهذا التحدي الإيراني لإسرائيل من جهة سوريا، سبقه تحدي الأمين العام لـ«حزب الله» لإسرائيل من جهة لبنان. أما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، والذي يحرر بلاده من «داعش» بقيادة أميركية، فقال إنه سيظل يغير على «داعش» في البوكمال بسوريا لأنه من هناك تأتي السيارات المفخخة إلى بلاده!
إنَّ كلَّ هذه التصريحات عن القدرات الإيرانية من حول سوريا وإسرائيل، تأتي عشية زيارة نتنياهو إلى روسيا، لإقناع الرئيس الروسي بتقديم اعتبارات ومصالح الأمن الإسرائيلي على المصالح والاستراتيجيات القائمة بين الروس والإيرانيين. وهذا بينما يصرِّح الأميركيون أنهم يريدون إخراج إيران من سوريا.
ويضاف إلى تعقيدات المشهد إرسال أميركا قوات من المارينز إلى منبج للحيلولة دون الصدام بين قوات «درع الفرات» المدعومة تركياً، وقوات النظام السوري. وكان الروس قد أعلنوا قبل أيام أنهم مَن سيشكلون بقواتهم حاجزاً بين الجانبين. إنما معنى هذا الآن أنَّ الجنود الأميركيين هم الذين يواجهون الجنود الروس عبر كيلومترين أو ثلاثة.
لقد بلغ التدخل الروسي في سوريا ذروته منذ شهور. وتحالف الروس مع إيران، ثم تواصلوا ونسَّقوا مع تركيا. وما دعم الأميركيين على الأرض السورية فعلاً غير الأكراد، لكنهم في الوقت الذي يصعّدون تدخلهم في سوريا، فهم مضطرون للتنسيق مع الروس، ولضبط حركة الأتراك، وصاروا الآن يضبطون حركة الإيرانيين أيضاً. وبذلك فإنَّ كلا المتنافِسَين، التركي والإيراني، صارا وراء الأميركي والروسي، وتوشك الساحة السورية أن تصبح مجالاً للتعاون بين الأميركان والروس بمعزلٍ عن الإقليميين المتنافسين.
عندما كان الأميركيون أيام إدارة أوباما شديدي الحذر والانضباط ولا يريدون التدخل أكثر في سوريا، كانوا مصرين أن لا يصبح الإسرائيليون عاملاً بالداخل السوري. أما الإسرائيليون من جانبهم فكانوا يحفظون مصالحهم دونما تدخلٍ ظاهر، لكنَّ إعلان الإيرانيين تحديهم لإسرائيل من سوريا بعد لبنان، يهدد بأن يغير الإسرائيليون تكتيكاتهم وأن يتحولوا إلى طرف في الأزمة السورية، حفظاً لأمن الدولة العبرية، كما قالوا! فهل يقنعهم الروس بعدم التدخل؟ إذا كان ذلك فعلى الروس أيضاً أن يضمنوا عدم وجود الميليشيات الإيرانية في الجولان!
ما هاجم «حزب الله» إسرائيل منذ عام 2006، لكنه الآن يعيد سيرته الأولى، ويهدد باستهداف النووي الإسرائيلي أيضاً! ويستطيع نتنياهو الدفاع عن نفسه، لكنه يريد أن يمنَّ على الأميركان والروس؛ على الأميركان بسبب اتفاقية أوباما معهم، والتي يرى ترامب ونتنياهو أنها كانت لصالحهم. وهناك الملف الآخر، ملف التدخلات الخارجية والإرهاب، وترامب يريد ضبط إيران فيه أيضاً.
أما روسيا فدأبت على التنسيق مع إسرائيل منذ دخولها إلى سوريا، والزيارات المتبادلة كثيرة. وكان التنسيق من قبل بهدف «منع التصادم» بين الطيرانَين، حيث تنصبُّ الغارات الإسرائيلية على دمشق وما حولها لجهة الحدود السورية اللبنانية. أما ما تطلبه إسرائيل الآن من الروس فهو أكثر: منع الإيرانيين وميليشياتهم من التمركز بالجولان على مقربةٍ من الجيش الإسرائيلي. يقول الخبراء العسكريون الإسرائيليون إنَّ إيران ربما كانت تخرج لستر فظائعها في سوريا، ولتبرير اضطرارها لتخفيف وجودها هناك، لكن لا بد من الاحتياط والحذر ومنع الوجود بتاتاً لكي لا يحصل ما حصل بجنوب لبنان.
لقد كان لدى إيران خصوم في سوريا أهمهم التركي. أما اليوم فهي تجد نفسها في مواجهة أميركا. والمفهوم أنّ أميركا وقفت في وجهها وفي وجه تركيا في الشمال السوري. فماذا يفعل الإيرانيون إذن؟
إنهم اليوم يهددون إسرائيل من لبنان وسوريا، ويهددون الجميع من العراق. ويجيب الأميركيون أنهم منزعجون من الاتفاقية النووية، ومن إرهاب إيران وتدخلاتها الإقليمية. فهل يحصل الصدام؟ الغالب أنه لن يحصل بسبب وجود الروس والأتراك.. وإسرائيل. وما سوف يحصل عاجلاً هو ازدياد التنسيق بين الأميركان والروس، ليس من أجل ضرب «داعش» ومنع التصادم فقط، بل ومن أجل تثبيت وقف النار والسير في الحل السياسي.
*نقلا عن صحيفة “الاتحاد”.