بقيت العلاقات العراقيه السورية على مر التاريخ الممتد منذ ما قبل عصور دولة بُصرى والمناذرة ومرورا بالعهد الاموي الذي مثل رؤية التجاذب بين منشأ حاضرتين للدولة الاسلامية واتساعها ، عندما كانت دمشق عاصمة للخلافة الاموية وتلتها بغداد لتأخذ منها الريادة في العصر العباسي .
ظل هذا التجاور الحضاري في محك وتواصل وكانت بلاد الشام الاقرب في التمازج الحضاري والروحي مع بلاد الرافدين وكان الفرات القادم من منابعه الاناضولية تشرب منها المدن السورية قبل ان تشرب منه مدن العراق وحتى في المجد السومري البعيد كانت مناطق اعالي الفرات السورية تقيم لها مجدا حضاريا في قيام سلالات سومرية التي هي امتداد عرقي وحضاري لسلالات سومر العظيمة التي كانت مدينة اور العرقية عاصمة له .ويعرف الجميع وكما ذكر في التوراة ان النبي ابراهيم ع السلام في هجرته من مدينة اور كانت منطقة حران السورية اول محطاته وان ابناء الديانة المندائية والذين يسكنون منذ قديم الزمان في مناطق جنوب العراق كان البدء في اصل وجودهم هي منطقة حوران السورية ولهذا كان هذا التداخل الحضاري والاجتماعي بين العراق وسوريا ان تمتلك هذه المناطق وحدة جغرافية وبيئية وحضارية سميت بمنطقة الهلال الخصيب .
في العصر الحديث بقيت الروابط الثقافية والاجتماعية والقومية والسياسية قائمة وتمتلك الفعل المؤثر منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة لاسيما أن الملك فيصل الاول قبل أن يتسلم عرش العراق كان ملكاً في سوريا بعد دعمه للانكليز من خلال اشعال الثورة ضد العثمانين وكانت دمشق مقرا لثورته وحكمه الاول.
ومابعد الحكم الملكي مرت العلاقة بين سوريا والعراق بمراحل مختلفة تحكمت فيها السياسة في اغلب مراحلها ووصل الامر الى مشروع لوحدة البلدين لانتماء انظمتها الى حزب البعث لكن التخوين بدء في اتهام سوريا للعراق في عهد المرحوم حافظ الاسد لاتهام صدام حسين بالتخطيط لقلب نظام الحكم .ومنذ عام 1979 عاش البلدين عداءً سياسيا معلنا لاسيما ان سور يا وقفت الى جانب ايران ضد العراق في الحرب التي اقامها صدام من خلال حرب المخافر الحدودية لتمتد الى ثمان سنوات وكذلك وقوفها الى جانب الشعب الكويتي في محنته للغزو الصدامي في 2 اب 1990. .
بعد التغير الحصل في 2003 مرت العلاقه بمراحل متأزمة فكانت الشكوى العراقيه أن هنالك سياسة سورية اتجاه العراق بعدم الاستقرار من خلال تبني السلفيين والبعثيين لزعزعة الوضع بالعراق وكانت سوريا محطة لتنقل التكفريين وكانت معسكرات التدريب موجوده على الاراضي السورية بشكل معروف وواضح وعانا العراق والشعب من القتل والتدمير وبالتأكيد هو نفس النظام الحالي ولم يتغير حيث اشيرت التقارير والاعترافات لبعض الارهابيين ان لهم الكثير من معسكرات التدريب والدعم داخل الاراضي السورية بعلم من النظام السوري او بدون علمه أو بطريقة غض النظر .لكن في بعض الاحيان وصل الاتهام العراقي علنيا لسوريا وأن الذين نفذوا الهجوم على مقر الخارجية العراقية اتين من سوريا وبالمقابل ظلت الحكومة السورية وعلى لسان خارجيتها وسفيرها وكل مسؤوليها تنفي دائما هذه المزاعم وتقدم رؤى وطروحات مع الجانب العراقي لحفظ الحدود وتأمينها واقامة سواتر التراب والاسلاك الشائكة وفي بعض الخطوات قامت سوريا بتسليم بعض الارهابيين المطلوبين للعراق.
ويتصور البعض أن السيد المالكي يحاول ان يكون توافقيا ولينا في سياسته مع سوريا لرد دين دعم سوريا لترشيحة لمرة ثانية وكونه قد عاش ولاكثر من عشرين عاما لاجئا سياسياً فيها وكانت توفر حماية لحزب الدعوة في نشاطه النضالي ضد نظام البعث في بغداد ولهذا كانت رؤية السيد المالكي تنطلق بعدم احراق جميع الاوراق السياسية مع سورية وربما في زيارة السيد المالكي لدمشق في ولايته الاولى قد وضع امام الحكومة السورية كافة التصورات والمعلومات ووضع النقاط على الحروف في رغبته ان تكون العلاقة بين البلدين هي علاقة التاريخ المشترك في كافة منجزاته وتفاصيله ولايكون تأريخا لتصدير السيارات المفخخة والمجاميع الارهابية ، وقد فهم السوريون حينها قلق السيد المالكي وتصوراته وكانوا راضين تماما عن زيارته بالرغم ان الرؤى التي كانت تسكن بعض هواجس السياسة السورية هي رغبتها بدعم السيد اياد علاوي رئيس القائمة العراقية لرئاسة الوزراء ويكاد يكون دعمها له علنيا ولكن في النهاية كان على القيادة السورية تفهم الواقع العراقي ومستجداته وهاجس الاغلبية وفهم الاجندات وطروحاتها وفضلت أن تبقي خط شروعها مفتوحا مع السيد المالكي ولكن الاحدا ث الاخيرة في سوريا وضعت دمشق في تصورات اخرى جل اهتمامها قائماً على صيانة امنها ونظامها الداخلي فقد كبرت التحديات والتظاهرات وكان على سور يا ان تعي الفهم الذي كان يعاني منه العراق حين شعر إن امنه مهددا .وهاهي الان تنتظر دعما عراقيا لجبهتها الداخلية اكثر مما كان العراق يطلبه دعما منها لجبهته الداخلية وارتنا الاحداث ان السيد المالكي ازاء التطورات السياسية الاخيرة يقرا الموضوع بعقلانية ورؤية واعية وانه يرى في الشأن السوري ومعضلة بوادر حل للازمة عندما يعطى للشعب السوري الحق في تنفيذ مطاليب الاصلاح في شتى مؤسسات الدولة وانظمتها وان خيار التدخل العسكري واسقاط النظام بالقوة العسكرية كما حدث في ليبيا سيجر المنطقة الى ويلات وربما فتيل لحرب اهلية بسبب التكوين الاثني والمذهبي المتعدد والمعقد لتركيبة المجتمع السوري .لهذا كانت الرؤية العراقية قائمة على التهدئة ووسطية الموقف والاعتدال.
لهذا نرى الأمر في مجمل رؤاه قائما على السيناريو الآتي:
سوريا بلدا مجاورا للعراق وما يحدث الان في سوريا بالتأكيد سيكون له انعكاسات سلبية على العراق والعراقيين وخصوصا ان المشروع الذي يُحاك ضد سوريا هو بالأساس مشروع يحاك على العراق بنفس الايادي السلفية والتكفيريه والذي تحرك هذا المشروع ومن كان يروج للسلفيين في الاعلام هي قناة الجزيرة ومن كان يرسل الاموال للتكفرين من الخليج غير قطر وجمعيات خيرية بالسعودية والامارات من دعم القائمه العراقية وشارك بتأسيسها في بيت داود اغلوفي تركيا
لهذا نحن في العراق الان مع حماية العراق من المشروع الطالباني الامريكي والاخواني البريطاني وهنالك معلومات تقول ان السيد داود اوغلو كان لاكثر من عشر سنوات بين افغانستان وباكستان مع السلفيين يتعلم من ثقافتهم ويتمنهج برؤاهم وافكارهم .
إذن نجاح المشروع في سوريا سيحاصر العراق وفي تصوري إن اول الخاسرين من التغير بسوريا هو العراق ، فبعد خسارة السعودية مكاسبها بالعراق ارادت التعويض في لبنان الان تحاول ان تسقط نظام بشار من اجل ان تستعيد العراق ولبنان.
نحن لسنا مع قتل المدنيين او عدم منح الحقوق السياسية والاجتماعية للشعب السوري ولكن نحن نقول ان المشروع هو حصول السعودية على المكاسب بدماء الشعب السوري كما حاول الحصول عليه من خلال الدم العراقي وتم وأد مخططهم وفشل تماما.
وعلينا أن ندرك وفق هذه الرؤى وهذا السيناريو أن العراق ليس بحلف مع ايران وسوريا ولبنان ولكن المصالحه العراقيه تتطلب تنسيق المواقف من اجل حماية العراق ودماء العراقيين من مشروع القتل القادم الذي يحاك ويدبر بمؤامرة خسيسة يُراد فيها خلط الاوراق واعادتنا الى مربع القتل والتناحر الطائفي الذي ارادوا فيه عام 2007 اشعال فتنة حربا اهلية وهذا لن يحدث ابدا…!