18 ديسمبر، 2024 6:21 م

سوريا ، المتآمرون ، شيء من الذاكرة

سوريا ، المتآمرون ، شيء من الذاكرة

لعل السؤال الاكثر عمقا و أهمية الذى يطرحه المتابعون لما حصل فى سوريا طيلة أكثر من ستة سنوات من الصراع الدموى : لماذا حدث ما حدث في بلد تميَّز على مر العصور بالانفتاح الإنساني والسلم الاجتماعية والتعددية والتعايش بين الأديان والطوائف والمذاهب ؟ ما هي البذرة الشريرة التي أولدت ما سمى بالحاضنة الشعبية للإرهابيين فى بعض المناطق السورية ْ قبل أن ينتبه العالم الى وجود المؤامرة و يكتشف الجميع أن ما حصل لم تكن ثورة بالمقاييس الثورية المعتادة بل أن هناك من المتآمرين من استخدم بعض الاحداث و الاخطاء العابرة من النظام كتغطية على تنفيذ خطة أمريكية-صهيونية خليجية تركية مرعبة ملفوفة ببعض المشاعر الانسانية الكاذبة ؟ لماذا تجمعت عناصر الثورة الزائفة حول علم الانتداب الفرنسى و كيف قبل الاخوان المسلمون مرة اخرى ان يمروا بجانب التاريخ و يخرجون من هذه المؤامرة تحت لعنات الابرياء السوريين و كيف ارتضى بعض السوريين الذين نشئوا فى وطن مزدهر علميا و ثقافيا و انسانيا أن يقودهم رعاع الخليج و سقط المتاع من هؤلاء الذين يخدمون المشروع الصهيونى و تعيش انظمتهم الايلة للسقوط على حماية المخابرات الصهيونية و الامريكية ؟ هل هناك عاقل يقبل بأن دولا مثل قطر والسعودية وتركيا هى من تكون راعية للثورات وواحة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ؟ هل يتصور عاقل أن تسخير الانظمة الخليجية لكل هذه المليارات النفطية يهدف إلى بناء مشروع “وطني ثوري ” بديل في سوريا عن نظام الرئيس بشار الاسد ؟ لماذا لم تسخر هذه الدول كل هذه الملايين لبعث المؤسسات الديمقراطية فيها بدل الانشغال بحقوق شعوب أخرى ؟.

مع كل هذا من حقنا اليوم أن نتساءل بكل موضوعية ماذا حدث فى سوريا و لماذا حدث و ما هى الدروس التى خرج بها السوريون بعد ما يزيد عن الستة سنوات من الحرب و الدمار ؟ لعل ما حدث فى سوريا قد كان متوقعا و منتظرا و بعد أن رفض الرئيس بشار الاسد طرد قيادات الثورة العراقية و الفلسطينية و قال ما قال لوزير الخارجية الامريكى كولن باول فقد فهم المتابعون أن قانون محاسبة سوريا و اسقاط الرئيس الاسد سيكون عنوان المرحلة الموالية لغزو العراق و اسقاط بغداد سنة 2003 ، بطبيعة الحال اغتيال رفيق الحريرى و استصدار القرار 1559 و تسليط الضغوط الاعلامية السافرة على وجود الجيش السورى فى لبنان و خروج كل تلك العاهات السياسية التابعة لدول الخليج المناوئة للنظام السورى للمطالبة بما سمى عبثا ” باستقلال لبنان ” و كل تلك الضغوط الهائلة التى مارسها تيار الحريرى و ادواته الاعلامية لنزع سلاح حزب الله و تشويهه و توريطه فى عملية الاغتيال المشبوهة كل هذه التداعيات الخطيرة و الاحداث الموتورة كانت تؤكد أن مخطط اسقاط الرئيس السورى قد بات متعين التنفيذ بعد أن سخرت المخابرات الامريكية التركية الصهيونية ادواتها العميلة من الاخوان المسلمين و من بعض الفئات المناوئة للمقاومة لتدريب العناصر الارهابية و استغلال ما سمى بحادثة ” درعا ” لافتعال “ثورة ” من العدم و الاختباء وراءها لضرب الدولة السورية .

ما يعاب على كثير من المثقفين و الكتاب العرب أنهم تقبلوا هذه الخديعة الكبرى بصدر رحب بل كانوا طيلة 6 سنوات من أكثر العناصر المؤدلجة التى استعملتها المخابرات الدولية المتآمرة لتضليل الرأى العام العربى و العالمى و الايحاء بوجود ثورة شعبية ضد النظام لم يرها أحد لحد الان بل هناك من تنبأ عبثا بقرب سقوط النظام و هناك من عدد الساعات و أحضر قطع الحلوى لتوزيعها على ” الثوار ” الفاتحين و هناك من تقبل أمانى الرئيس التركى بالصلاة فى المسجد الاموى كنوع من الاستحقاق التركى ، هناك مثل الزنديق عماد الدين اديب من طالب احد الخونة بإطلاق رصاصة لاغتيال الرئيس السورى فى ذلك المقال العفن الهزيل بعنوان ” رصاصة ، مجرد رصاصة ” ، ان الذاكرة لن تنسى طبعا كل ما قاله العميل عبد الحليم خدام و ابناء طلاس و خيانة رياض حجاب و هروب خالد مشعل و كل تلك الحملات الاعلامية البائسة التى اطلقها وليد جنبلاط و عقاب صقر و فؤاد السنيورة و احمد فتفت و الدكتور علوش و مى شدياق و صاحب ذلك البرنامج الكريه نديم قطيش يضاف الى ذلك طبعا سقطات قناة الان . بى.ن و ال . بى . سى و المستقبل ، لقد تعمدنا عدم ذكر القوات و الكتائب من باب الاحتقار و تعمدنا عدم التعرض الى ” الاسير ” و ذلك المطرب النكرة فضل شاكر و كثير من الادوات التى اهملتها الذاكرة من باب عدم اثقال كاهل انتباه المتابع بالتفاصيل ، لذلك يمكن القول اليوم أن الشعب السورى لم يكن ليحقق هذا الانتصار التاريخى لو لم يدفع ضريبة الدم .

لو سخر عزمى بشارة عشر ما ” تفضل ” به من ساقط التحليل حول الوضع السورى لما يتعرض اليه ابناء عشيرته من الشعب الفلسطينى المناضل لتغيرت اشياء كثيرة فى المشهد الفلسطينى من بينها تقوية عزيمة المجاهدين و لكن ” الدكتور ” كغيره من ادوات التضليل الصهيونية كان مسخرا بالكامل لأداء دور المخرب للوجدان العربى و الدافع للتطبيع و الكاسر لإرادات المقاومة و رفض الوجود الامبريالى الصهيونى فى المنطقة ، فى كتاب بعنوان ” من يدفع للزمار : وكالة المخابرات المركزية و الحرب الباردة الثقافية ” للكاتب فرنسيس ساوندرز هناك اشارات واضحة لمثل عزمى بشارة من الانتلجنسيا العربية و لمثل الادوار القذرة التى يلعبها بشارة و غيره من الكتاب العرب الخونة و بالإشارة الى ذلك التقرير الذى نشرته وزارة الخارجية الصهيونية منذ فترة قليلة فى خصوص قائمة الكتاب ” العرب ” الذين خدموا المشروع الصهيونى اكثر من ابناءه الصهاينة نجد اثرا لعزمى بشارة و لكثير من كتاب الخليج و لبنان و الاردن و مصر على سبيل الذكر لا الحصر ، نحن نشاهد هؤلاء الذين نبتوا كالفطر السام يعتلون مسارح الاعلام دون ان يكون لهم تاريخ مجيد و دراية معمقة بتاريخ و عظمة الوطن السورى و نتساءل بمنتهى الاسى و الاسف كيف يقبل هؤلاء على انفسهم دعوة الاساطيل و القوى الاجنبية لاحتلال بلدهم بدعوى ازاحة خصمهم السياسى دون ان ينتبهوا او لا يريدون انهم سيشغلون عرش السلطة كأدوات عميلة لأسيادهم الصهاينة الذين خلصوهم من الرئيس الشرعى للدولة السورية ، لقد شاهدنا ” ابناء ” برنار هنرى ليفى فى سوريا و فى ليبيا و فى تونس يستلهمون من افكاره الجهنمية فى الدعوة لضرب مقومات الدول و تراثه الحقير فى بث نيران الحرب الاهلية و خبراته المسمومة فى تطبيق سياسة فرق تسد .

لقد اراد قوم المؤامرة القذرة على سوريا ان يطبقوا السيناريو الليبى او ما سمى اصطلاحات بنظرية القذافى ( qaddafi theory ) و كان المراد و السعى حثيثا و بكل الطرق الممكنة لإسقاط الرئيس الاسد و القبض عليه و كان المطلوب أن يهان الرئيس و يجر أنفه فى التراب حتى تبرد نيران الحقد و الضلال الامريكية الصهيونية ، لقد كان المطلوب ان تزف القيادة الامريكية خبر اسقاط الرئيس الاسد و استعادة صورة ما حصل للزعيم معمر القذافى بل كان المطلوب أن يعلن الخبر فى نفس الوقت فى كل وسائل اعلام الدول المشاركة فى هذه المؤامرة القذرة لكن تشاء الطموحات الروسية فى العودة الى المنطقة و المحافظة على مصالحها الاستراتيجية فيها ان يقف الدب الروسى الى جانب حلفاء المقاومة العربية و أن يرفع الفيتو فى مجلس الامن على كرات متعددة فى وجه الخيانة الخليجية و ما عرف بالرغبة الصهيونية الامريكية لتنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة المراد منه تفتيت المنطقة و فرض اسرائيل كقوة واحدة بل و فرض ما سمى بالسلام الامريكى ( pax americana ) ، لعل ما ذكر هو جزء مما حصل لان كثيرا من الخفايا لا تزال فى مكاتب دول الخيانة و لكن كشف شيء من الحقيقة مفيد للأجيال .