فاز باللذات من كان جسورا، هكذا قالها من لا هم لهم سوى الحصول على ولو رشفة بسيطة من ملذة ما، دون النظر للوسيلة التي توصلهم لتك الغاية.
من يجيد هذا الفن هم أولئك الذين يتقنون فن التلون وخلع جلباب وإرتداء آخر، حسب ما توفره الظروف لهم كصاحبنا سوادي الذي لا يقل سواد قلبه عن سواد بشرته.
سوادي هو ذلك الشاب الطموح الذي أخلص بخدمته لرفاق درب أبيه وعمه من منتسبي حزب البعث، ولأن “فرخ البط عوام ” تفنن سوادي بإظهار نفسه كأكثر أقرانه فهما لمبادئ الحزب وأفضلهم إخلاصا لأهداف الثورة!
طالما يردد البعض مقولة “رب ضارة نافعة ” فكانت نافعة جدا حادثة مداهمة منزل تلك العائلة البعثية من قبل مجموعة تدعي انتسابها لفصيل معارض للنظام آنذاك، حيث قررت عائلة سوادي الإنتقال إلى المدينة وهجرة الريف الذي ضاق أبناؤه ذرعا بإخلاص سوادي وعمه لسلطة البعث.
من حسن حظ هذا الشاب الطموح انه صادف انطلاق الحملة الإيمانية التي تبناها النظام بشكل رسمي، وبنفس الوقت حاول زج نفسه ضمن المجاميع العقائدية التي تأثرت بأفكار الحوزة الناطقة، فعرف عنه ذلك الشاب المثقف المؤمن المتواضع، حيث أن جهل أهل المدينة وأصدقائه الجدد بماضيه البعثي ساعد على تعزيز قناعتهم به كمتدين وصاحب خلق رفيع يندر توفره في ذلك الوقت.
حاول سوادي ترسيخ احترام الناس له وأنه كأحدهم، ويتوجب عليه البحث عن عمل يوفر لأهله لقمة العيش الحلال، دخل معترك السوق بميزانه وعمل بقالا في سوق المدينة حتى بات يعرف ب”سوادي أبو الركي”.
ذاع صيته واشتهر إسمه بين الباعة الذين حرصوا على أن يأتموا به عند أداء الصلاة في المسجد المجاور للسوق.
نظرا لأنه يدعي تبنيه لرؤية الحوزة الناطقة نجح سوادي في زعزعة ثقة البسطاء من الناس بكل ما يمت للعقيدة والمذهب بصلة فأخذ على عاتقه فكرة تقييم مراجع الشيعة ويفسق هذا وينزه ذاك حسب قناعاته.
بعد سقوط النظام البعثي وركوبا لموجة مقاومة الاحتلال شكل سوادي عدة مجاميع مسلحة لهذا الغرض وغيره حتى ساهم بشكل لافت بزعزعة أمن واستقرار المحافظة دونما رادع.
بعد أن حدثت اختلافات يقال عنها فقهية في مكاتب حوزتهم الناطقة وظهرت أسماء لم تكن معروفة سابقا لدى الأوساط الدينية والشعبية، ظهر سوادي مرتديا العمامة بشكل حير مقربيه فضلا عن غيرهم حيث كانت إجابته حاضرة لمن سأله عن ذلك :إنه ممثلا عن مكتب آية الله العظمى الحسني الصرخي وإماما لصلاة الجمعة التي يرعاها مكتبه!
استمر الحال على ما هو عليه لبضعة أشهر، حتى انطلقت خطة فرض القانون وصولة الفرسان في عدد من مدن البلاد، فكان إسم سوادي من بين أخطر الأسماء المطلوبة للقضاء بتهمة الإرهاب، فقرر مغادرة البلاد مع جمع غفير من القتلة إلى إحدى الدول المجاورة واختفى أثره.
بعد أن حصلت متغيرات بالوضع السياسي في العراق الذي تغير مزاج الحاكم تبعا لها عاد سوادي إلى أرض الوطن لكن ليس بصورة ذلك الشاب المطلوب للعدالة، إنما عاد باعتباره أحد رجال الأعمال ومن خيرة المستثمرين المحليين الذين أوكلت إليهم عدة مشاريع إستثمارية أحدها هيمنته على مشروع الميزان الخاص بحمولة الشاحنات التي تمر على الطرق الرئيسية.
هذه إحدى قصص النجاح في بلاد ما بين النهرين التي تعكس نتيجة الجد والمثابرة التي تنقل من يتقنها من ميزان البصل إلى ميزان الحمل!
…