22 ديسمبر، 2024 5:11 م

سهل نينوى و الصراع من اجل النفوذ

سهل نينوى و الصراع من اجل النفوذ

لايخفى على احد ان سهل نينوى تشكل اكبر رقعة جغرافية في العراق يقطنها غالبية مسيحية كلدانية و هي موطنهم منذ آلاف السنين. و رغم تعرضها لمحاولات عديدة على مر الزمن للقضاء على خصوصيتها المتميزة هذه و اخرها محاولات داعش الإرهابية ، فإنها تمكنت من المحافظة على هذه الخصوصية عبر الوقوف بوجه عاتيات الزمن. فها هم من جديد و باعداد غير قليلة من اَهلها و قاطنيها الذين اضطروا لتركها حفاظاً على ارواحهم لم يتخلّوا عنها وباشروا بالعودة اليها حالما سنحت الفرصة و كسابقات عهدهم زارعين بذور الأمل و الحياة فيها رغم الصعاب و خيبة الامال حيث وجدوا بيوتهم و ديارهم محطمة و خربة و كذا البناء التحتي و الأهم من كل هذا و ذاك انعدام الامن و استقراره و استتبابه.

و قامت كنيستنا الكلدانية ممثلة بغبطة البطريارك مار ساكو، مشكورة بمبادرات عديدة في مسعاها لمساعدة العائدين الى قصباتهم و للاطمئنان عليهم و ضمان استقرارهم سواء من خلال مخاطبة الجهات المسؤولة في الحكومة العراقية لاعتبار هذه المنطقة منكوبة بهدف تخصيص الأموال اللازمة او مخاطبة المنظمات العالمية لتقديم الدعم و المساعدات التقنية و المالية او من خلال الدعم المباشر ماليا و معنوياً لإعادة إعمار البيوت و الكنائس المدمرة او اعادة الحياة للبنى التحتية فيها كي تجعل هذه المدن و القرى و القصبات تلائم الحد المعاشي بمستواه الأدنى، كل هذا بهدف تسهيل عملية العودة و الاستقرار . و هنا قد يتساءل المرء و أين حكومات المركز و الإقليم من كل هذا، و لماذا هذه المناطق لازالت تعاني؟ سؤال اتركه للزمن علنا في يوم من الأيام نلقي جواباً مقنعاً.

و اذا كانت الكنيسة و بعض منظمات المجتمع المدني و في المقدمة منها الرابطة الكلدانية تمكنت من تقديم خدمات في مجال التعمير و الترميم للخراب الذي تركه داعش الإرهابي فهناك المجال الأهم والأكثر تأثيراً الا و هو الأمني ، و الذي هم عاجزون عن التأثير فيه و فرضه بكل بساطة لانه من مهام الجهات المركزية في الدولة سواء حكومة بغداد او الاقليم. لكن بكل أسف نقولها بسبب اطماع السيطرة على الموارد الطبيعة المخزونة في اعماق أراضي السهل و باطنها، دعك عن خصوبة تربتها الزراعية فإن عملية تحقيق الامن و استتبابه في السهل غاية في التعقيد ؛ فهناك محاولات لتقسيم السهل بين الاقليم و المركز أولاً و ثانياً وجود ميليشيات و قوات البيشمركة متأهبة و منتشرة في مناطق السهل و ثالثاً وهو الأهم وجود أطراف مسيحية تنفذ اجندات اسيادها، فهناك المجلس الشعبي من جهة و من الجهة الاخرى قوات بابليون و قوات NPU تتنافس في تقديم الأفضل لمموليها غاضةً الطرف عن معاناة أهل المنطقة. فهناك مشاكل عديدة اقتصادية ، اجتماعية ، سياسية ، بنيوية وغيرها تعاني منها قصبات سهل نينوى فعلى سبيل المثال و ليس الحصر فإن طريق باطنايا تللسقف لا يزال مسدوداً و مقطوعاً و رغم المحاولات العديدة لفتحه منذ مدة غير قليلة، كل جهة تتدعي انها مستعدة لفتحه و تلقي اللوم على الطرف الاخر في عدم التجاوب و بقاؤه مسدوداً و الامر لا زال معلقاً بين حكومة المركز و حكومة الاقليم. فبدلاً من ان تسعي الجهات التي تتدعي تمثيل المسيحين من اجل فتح طريق حيوي كهذا او من اجل تحقيق طموحات أهل سهل نينوى في حياة آمنة و مستقرة تساهم في تأزيمها و تعقيدها.

ليس ذلك فقط بل بدأت تستغل نفوذها لحصد أصوات سكنة سهل نينوى من المسيحين بطرق شتى تارة بتقديم الجزر و تارة التهديد باستخدام العصى، تارة بتقديم هدايا مادية او سلات المؤونة و التغذية و تارة التهديد بقطع رواتب الحراس و مصدر رزقهم. و المواطن الكلداني و السرياني في هذه المناطق حائر في أمره و رزقه و مستقبله. ما الحل ازاء هذا الوضع إذن ، ربما هناك من يطرح حزم الحقائب و الهجرة …. و لكن
في الحقيقة انا أراها فرصة ذهبية امام مواطنينا في سهل نينوى لتكون حافزاً لهم لأخذ زمام الامور في أيديهم ، فها هي الانتخابات البرلمانية على الأبواب على مستوى العراق و بعد فترة ستكون على مستوى الاقليم و انطلاقاً من مقولة ” المجرب لا يجرب ” و في ضوء الخيارات العديدة المطروحة امام الناخب المسيحي و صوته الذهبي في سهل نينوى بالذات فعليه ان يستخدمه بحنكة و دراية بأن يتجاوز اخطاء الماضي و يتغلب على هاجس الخوف المفروض عليه من قبل الاطراف المختلفة و خاصة تلك المرتبطة بجهات خارج المكون المسيحي. فهناك قوائم مستقلة و فيها مرشحين مستقلين همهم الوطن و سلامته و استقراره و استقلاله، همهم تحقيق حقوقنا القومية الإدارية و السياسية و الثقافية و الاجتماعية في مناطق تواجدنا. نعم امنح صوتي لهم و ليس لغيرهم ممن على مدى اكثر من خمسة عشر عاماً لم يهتموا سوى بجيوبهم . نعم حان الوقت لاختيار وجوه جديدة مقتنعة و مقتدرة على العمل بتفاني و اخلاص ليس من اجل اهلنا في سهل نينوى فقط بل من اجل الوطن الواحد الموحد الضامن لحقوقنا في عراق مدني ديمقراطي مؤسساتي تعددي ، القانون فيه سيد الحكم بعض النظر عن الدين و القومية و الاثنية و اللون او الجنس.
و تحضرني و نحن في معرض محاولة الجهات المتسلطة على رقاب اهلنا في سهل نينوى للاستيلاء عنوة على أصوات ناخبينا الاعزاء هناك ؛ خاطرة قرأتها لكاتبة كندية في جريدة مرموقة و تتحدث فيها عن والدتها و تجربتها في احدى الدورات الانتخابية للبرلمان الكندي، وتقول لم تكن لي نية المساهمة في العملية الانتخابية لتلك الدورة لأسبابي الخاصة ، و لكن في يوم من الأيام و في حمى الحملة الانتخابية جاءني احد المرشحين و عرض على المال مقابل صوتي، فما كان مني عقاباً على فعلته أولاً ومن كوني ارفض بيع صوتي ثانيا كونها لا تتناسب و قيم كندا الديمقراطية و حقوق المواطن في الترشيح و الانتخاب ، ان اقبل منه المبلغ، و لكني عاقبته في صندوق الاقتراع و في يوم الانتخاب حيث منحت صوتي لغيره نعم لغيره ممن رأيته يستحقه نكاية لفعله الشنيع.

فهل بإمكان اخوتنا ليس فقط في سهل نينوى حيث الصراع على أشده بل في عموم العراق من أخذ العبرة من تصرف الناخبة الكندية، و العبرة ليست للناخب فقط بل و في ذات الوقت للمرشح و رادعاً للفاسدين ممن يحاولون شراء الذمم و الأصوات. املي ان الغالبية من ابناء شعبنا و مواطنيه حذقين و واعين و سيمنحون صوتهم للنزيه و المؤهل و الذي خدمة أهله و ابناء شعبه يعتبره شرف و مهمة في عنقه و ليس وسيلة للاسترزاق و الكسب الشخصي. و أني شخصياً ارى في مرشحي قائمة ائتلاف الكلدان (١٣٩) الأمناء على العهد و الثقة، أفضلهم، كونهم مستقلين و تكنوقراط و ديدنهم وطنهم و ابناء امتهم الكلدانية و شعبها المسيحي.

هذه فرصتكم وهذا يومكم لممارسة دوركم في تحقيق مطاليبكم و سيطرتكم على مناطقكم و لصنع غد أفضل لكم و لأولادكم و لأحفادكم و تجاوباً مع دعوة غبطة بطريارك بابل على الكلدان مار ساكو للتغير و التي تأتي في تناغم مع دعوة البابا فرانسيس للتغير في قوله ( بأن الإيمان الحقيقي، ينطوي دائماً على رغبة عميقة في تغيير العالم، لنقل القيم و ترك الارض بحالة أفضل مما وجدناها).

فهل نحن أهل لها و نقبل التحدي؟ تحدي التغيير… أسبوعين اقل او اكثر بقليل الفاصل بيننا و لنرى كيف نحقق التغيير، فهل سيكون نحو الأفضل؟.