23 ديسمبر، 2024 3:35 ص

سندويش وصدام حسين ؟

سندويش وصدام حسين ؟

حين كان والدي يعمل في احدى اقسام مؤسسة ثقافية مشهورة واسمها (مجلة افاق عربية ) , وجهت دعوة له ولجميع العاملين في هذه المؤسسة لمهرجان كبير والذي يقام لاول مرة وهو مهرجان بابل الدولي عام 1985 , سلم لوالدي ثلاث بطاقات دعوة اي لعائلتنا , الحضور ايضا ان رغبنا , حينها والدتي امتنعت على الحضور بسبب بعد الطريق , فاختارني الوالد لحضور هذا المهرجان الكبير , واختار عدنان ابن عمتي ليكون معنا , لان عدنان ليس ابن اخت والدي فحسب , بل انه ايضا صديقا لوالدي وتربط بينهم علاقات متينة , ومتفقين على جميع الامور .

طلبت مني امي ان اخذ معي سندويش ” بطاطس مع اللحم ” خوفا منها علي ان اجوع , لانها تعلم ان الطريق بعيد وحينها كنت بعمر العشر سنوات , هيئنا انفسنا وانطلقنا في الساعة الثالثة ظهرا حيث مكان مجلة افاق عربية , وهناك كانت حافلتان تنتظرنا , وصلنا للمكان وسلمنا على جميع من وصلت له الدعوة للحضور معنا , وبعدها صاح احدهم بالتوجة الى الحافلة للصعود .

بصراحة هذه اول مرة اخرج فيها خارج العاصمة , مررنا بامكنة لم اشاهدها سوى في التلفاز من صحاري الى مزارع الى بيوت من طين , وانا مذهول جدا لهذه المناظر الخلابة – نعم خلابة لبساطتها وبساطة ناسها .
وصلنا في تمام الساعة الخامسة عصرا الى المهرجان , وبصراحة تفاجأت بأن المهرجان كان للجميع , ولم يقتصر على موضفي افاق عربية , حسب ما كنت اعتقد , لانني طول الطريق لم اتفوه بكلمة واحدة مع والدي , المهم اني ذاهب الى مهرجان يقام لأول مرة , وهذا ما كان يهمني .

كان عدد الموضفين في الحافلتين ما يقارب مئة بين رجل وامرأة , وايضا كان معنا الكثير من الشعراء الذين هم خارج سرب المؤسسة . العجيب في الأمر عندما وصلنا مدرجات المسرح البابلي والذي سيقام عليه المهرجان , منضموا المهرجان عزلونا عن الجماهير المقتضة , واجلسونا في الجهة المقابلة لهم , لم نعر اي اهتمام للموضوع ما دامت هناك مقاعد لنا .

انطلق المهرجان بحلته الجديدة مع تصفيق مستمر من الجماهير الغفيرة , اتذكر حينها كنت جالس بين والدي وابن عمتي , وكل ربع ساعة اقوم من وسطهم لاصعد على المدرج الذي خلفنا تماما , فيأتي رجل عسكري ليقول لي : ارجع الى مكانك , وهذه الحالة تكررت مرات عدة , الا ان العسكري طلب من والدي ان لا اقفز صعودا مرة اخرى , لا اخفي عليكم , وجدت بفعلتي هذه اثارة , وكررت صعودي على مدرج المسرح , فواجهت بصفعة قوية في خدي من والدي , بعدها صرت عاقلا , جامدا فقط اهز رأسي حين يوجه لي والدي سؤالا .

وبعد مضي نصف ساعة بدء تحرك غير طبيعي حولنا , وجدت جنودا كثر يقعدون وراءنا تماما , بينما المسرح يهتز بفعاليات الدبكة العراقية واغاني ريفية و وطنية , وفجأة رأينا حرس مدججين بالسلاح يخرجون من احدى الممرات القريبة منا , وهم يلوحون بالوقوف والتحية لصدام حسين , وقف جميع من كان حاضرا , فرأيت صدام حسين من باب الممر بلباسه العربي وواضعا على رأسه ” الحطة والعكال ” وهو يرفع يده محيي الجماهير . بصراحة كانت مفاجاة لنا ولم نكن نعلم ان صدام حسين سيحضر الحفل الكبير والتي نظمته وزارة الثقافة والاعلام حينها .

عموما وقفنا مع الجماهير , والذهول الذي اصابني حينها عندما جلس صدام حسين ورائي مباشرة , ويبدو اختيارهم لهذا المكان لانه كان مخصص لمثقفي العراق , بحيث ساقيه كانت ملتزقة بضهري , او بصراحة , احيانا كنت اتقصد ارجاع ضهري قليلا , كي اقول انني لامست رئيس جمهورية العراق .

بغض النظر ان صدام حسين كان محبوبا ام مكروها المهم هو الرجل الاول في العراق , وتشعر بفخر وهيبة عندما تجالس رئيس جمهورية العراق . المهم صرت كل دقيقة ادير رأسي الى الوراء وانظر بوجه صدام حسين , واحيانا هو ينظر لي مع ابتسامة رقيقة كنوع من المجاملة لطفل يبلغ العاشرة من العمر, وهو لا يدري انني اتعبت احد حراسه بمدرج المسرح مرارا .

صارت الساعة السادسة والنصف وبدأت بطني تؤلمني من شدة الجوع , همست لوالدي اني جوعان جدا , ففتح والدي حقيبته ليعطيني السندويش , واذا بالحرس يمسكون الحقيبة بخفة ادهشتني , وفتحوها وشاهدوا انها تحوي على ساندويش وبعض اوراق العمل في افاق عربية , وعرفوا لماذا والدي يريد فتح الحقيبة الصغيرة وقالوا له : ليس الأن لان هناك نقل مباشر عبر التلفاز , النقل المباشر حينها لم يكن موجودا او لم نعتاد عليه , وبعد مرور نصف ساعة لم اتحمل الجوع ففتحت الحقيبة من تحت والدي واخرجت السندويش وصرت اكل وانا مطأطأ رأسي الى الارض , وتظاهر والدي انه لم يراني تفاديا للاحراج , في احدى ” عضاتي” للسندويش نظرت الى صدام حسين وانا اللوك بفمي , ولا اعرف حينها هل اقول له : شاركني بالطعام – كنوع من الاحترام ! .

انتهى المهرجان وخرجت الجماهير , ووصلنا الى منطقتنا ورأيت جميع اهالي منطقتي يقولون لي : شاهدناك مع صدام حسين وانت تاكل السندويش, لانه في ذلك الزمان لم يكن لنا سوى قناة واحدة