لا يكاد الشعب العراقي يخرج من نفق مظلم حتى يدخل نفقا آخر هو أطول واشد عتمة من سابقه .
مع التعمد في إبقاء جميع الملفات والقضايا الشائكة مؤجلة دون المباشرة بوضع الحلول لها مما يدفع في وضع العراق على حافة الانهيار التام الذي لا تنفع معه بعد ذلك كل الحلول والمعالجات , ويبدو ان ذلك هو المخطط والمقصود من الجهات الداخلية والخارجية التي اتحدت في تمزيق البلد وانهاء دوره العربي والإقليمي لأجل غير مسمى .
ومع بداية اقتراب أي انتخابات في العراق يتجدد صراع النفوذ بين الكتل والأحزاب لتمزيق ما هو ممزق أساسا من اوصال العراق والتنازل عن حقوق وحدود دولية او التخلي عن قضايا مركزية لصالح المتنفذ الأقوى من اجل ديمومة بقائهم في السلطة ضاربين عرض الحائط المصالح العليا رغما عن معاناة ذلك الشعب الذي ضاق بهم ذرعا..
اليوم تم وضع ملحا حارقا على جرح نازف اخر من جروح العراق الذي لم يندمل, وتلاقت القوى والفرقاء فوق ارض سنجار وعلت مجددا راياتهم فوق جبلها الشهير والتي كان لها دورا كبيرا في احداث الدمار والانكسار الذي لحق بأهلها ابان وقبل فترة داعش المظلمة التي عاثت فيها فسادا واجراما وارهابا.
قضاء سنجار سادتي الافاضل هو نموذج عراقي مصغر لتوليفته السكانية من كافة القوميات والاطياف وكان القضاء متجانسا متعايشا لقرون مضت تجمعهم محبة العراق حتى اوصلته تلك القوى الى حافة الانهيار.
وقبل الولوج في لب المشكلة نستعرض لكم سادتي ادناه بعضا من المعلومات المهمة عن ذلك القضاء العراقي المهم جدا في موقعه الجغرافي وعمقه التاريخي :
حيث يعتبر قضاء سنجار ومدينته العريقة سنجار او شنكال باللغة الكردية من المدن الضاربة في عمق التاريخ ويعود تاسيسه الى الالف الثالث قبل الميلاد وهو احد اقضية (محافظة نينوى ) ثاني اكبر محافظة عراقية ويحاذي الحدود السورية التركية ويبعد 90 كلم شمال غرب مدينة الموصل وهو مكون من عدة نواحي وقرى أهمها القيروان والسنوني وتل البنات وتل قصب و وردية وعين الحصان وأبو خشب وكروفي ورمبوسي وقابوسية وغيرها , ولا يوجد إحصاء حقيقي لعدد سكانها في الوقت الحاضر لكن التقديرات تشير بانهم بحدود مائتين وخمسين الف نسمة وهم خليط من العشائر العربية والاكراد والتركمان وهي تعتبر المركز الرئيسي لتجمع الطائفة الآيزيدية فضلا عن تواجدهم في قضائي بعشيقة والشيخان .
من المعلوم ان المناطق الحدودية في جميع الدول هي عرضة للمخاطر نظرا لما يحمله موقعها للنزاع ولحركات الكر والفر للمعارضين وكذلك لنشاط الحركة التجارية ونشاط التهريب خارج أعين الدولة , لكن قضاء سنجار تمتع باستقرار مقبول في فترة الحكومات المتعاقبة منذ الفترة الملكية والجمهورية نتيجة حتمية لقوة نفوذ الدولة واستمر هذا الحال لحين احتلال العراق عام 2003 فانهار ذلك الاستقرار بعد تنصيب حكومات همها الوحيد هو وضع يدها على خيرات العراق !!
وتركت سنجار كما تركت غيرها من الاقضية والمدن تتجاذبها جميع القوى الداخلية والخارجية والمصالح الحزبية الضيقة ..
ومدينة سنجار تعتبر الخاصرة الرخوة للنظام التركي وممر تسلل آمن لقوات البككا الى داخل العمق العراقي وكذلك محط كر وفر لأكراد سورية ولا نغفل حلم الحزب الديمقراطي الكردستاني باقتطاعها وضمها للأقليم تحت ذريعة المناطق المتنازع عليها , ومع وجود القومية كردية فيها تم نشر قوات البيشمركة منذ الأيام الأولى للاحتلال , كما تغلغت اليها العديد من المليشيات للأحزاب الحاكمة والتي تمثل الجناح الإيراني في المعادلة المعقدة الذي يسعى بتامين امتداده عبر الأراضي السورية وصولا الى مقر حزب الله في لبنان ونتيجة حتمية لقوة السلاح ونفوذ المال للأحزاب والمليشيات انخرط العديد من شبابها مع هذه القوة أو تلك .
وكل ذلك التنوع والانقسامات جعلها مهيأة للإنفجار حتى وقعت الكارثة الكبرى بمؤامرة تسليم الموصل لداعش فاصبح قضاء سنجار قاب قوسين او ادنى من السقوط بيد التنظيم وماهي الا أسابيع قلائل الا واجتاحت قوى الظلام ذلك القضاء وسيطر التنظيم وبسط نفوذه في الثالث من أغسطس /إب 2014 عليه وعلى ناحية زمار و وانه دون أي مقاومة تذكر عدا تصدي مسلحي بعض العشائر العربية والكردية والبشمركة والايزيدية بما تبقى لديهم من أسلحة خفيفة وقد دفعوا لاحقا ثمن ذلك باهضا ,ومما زاد من عدد الضحايا وسهولة سقوطها هو تعمد القوات الأمنية بتجريد العشائر والأهالي من أسلحتهم مما جعلهم لقمة سائغة لمقاتلي داعش .
واستيقظ أهالي القضاء على فاجعة لم يخطر على بال احدهم يوما ان يتخلى عنهم الجميع في ساعة العسرة ,فالمدينة خلت شوارعها وازقتها تماما من أي جندي وشرطي من الحكومة الاتحادية كما حصل في الموصل بالضبط وجميع المقرات تركت فارغة, والسيطرات مهجورة وتراجعت قوات البككا والمعارضة التركية المتخفية منكفأة الى الداخل التركي والتزم الجميع الصمت لتقع بعدها اكبر جريمة ومجزرة في أهلها وكان النصيب الأكبر من حصة العشائر العربية الاصيلة كعشيرة البومتيوت وقبيلة الشمر الذين قارعوا ذلك الفكر التكفيري لكنهم زورا تحملوا وزره فجرت عليهم ردات انتقامية, وكذلك وقع الظلم على الطائفة الآيزيديه حيث تم قتل رجالهم وسبي نسائهم وبيع بناتهم في سوق النخاسة في الموصل ومناطق نفوذ داعش في سوريا واستمر هذا الحال لثلاث سنوات عجاف حتى تحرك العالم متأخرا وكأن هنالك اتفاق ممنهج في التدمير بالتناوب بين الأطراف , ثم انتظموا تحت مظلة التحالف الدولي للقضاء على داعش وتم هزيمتهم لا القضاء عليهم! بعدها غدت المدينة كفتاة مزقت عنها ثيابها واستبيحت عذريتها ومن شدة المها سقطت مغشية عليها ..
وعاد الفرقاء اليها مرة أخرى وكل منهم يدعي وصلا بليلى ويتباهى ان له الفضل في تحريرها من داعش ويريدون قبض الثمن وتناسوا انهم جميعا ساهموا في تسليمها لداعش ولاذوا بالفرار مخلفين ورائهم عتادهم ومقراتهم .
للأسف ان يكون لقوات حزب العمال الكردستاني تحكم وسلطة الى هذه الساعة في ذلك القضاء العراقي وهي من تسيطر على منافذها وتعرقل عودة سكانها المشردين اليها وتعيث فيها فسادا مجندة معها الكثير من المرتزقة فضلا عن ضعاف النفوس من أهلها ممن رضوا بالذل والمهانة , واكتشفت حكومة السيد الكاظمي مؤخرا ان قوات البككا في حقيقتها ليست قوات معارضة لحكومة السيد اردوغان بل هي قوات مجندة للمشروع التركي في العراق وهي (تركيا) من تدفع لهم رواتبهم وتسلحهم بالذخيرة وتوهم المراقب انهم معارضة يحتمون بجبل سنجار في حين ان نفس تلك الحكومة التركية يحتل جيشها أراض شاسعة في شمال قضاء بعشيقة وسط صمت مطبق من الحكومة العراقية وهنا تكمن المفارقة الغريبة !!!
اليوم يسعى الفرقاء لاعادة السيطرة على ذلك القضاء ليس سعيا لاستقراره أواعماره ومسح دموع الايتام والثكالى بل لتقاسم النفوذ خاصة اذا علمنا ان ذلك القضاء غني جدا بمختلف الثروات والمعادن المطمورة في باطن الأرض والتي تجعله من اغنى أراضي العراق كذلك يعتبر هو القضاء الشمالي الوحيد الذي يربط العراق بأوربا عن طريق الأراضي التركية والسورية دون المرور بمحافظات كردستان مما يعني مستقبلا موقعه الهام جدا في طريق حرير الرابط الى الصين !
فمن سيبسط نفوذه فيه ستكون له السطوة واليد العليا ليتحكم فيه!!
لذا فبعيدا عن الاتفاقات الظاهرية بين الخصوم وما يعلن فان هنالك نار تتقد تحت الرماد لا تبشر ابدا بخير هذا من الناحية السياسية ,اما من الناحية الاجتماعية فالقضاء يعيش فوضى عارمة وعدم استقرار امني وثارات مؤجلة بعد شلال الدم والضحايا الذين سقطوا منذ الاحتلال مرورا ب
إرهاب داعش ومما يؤسف له ان القتال والثارات يقع بين الأبرياء ومن جميع الطراف بعد ان تبخر الارهابيون وانسحبوا خارج المدينة مخلفين ورائهم عشرات الاف المشردين والضحايا وحالات الاغتصاب العديدة التي تركت اثرا نفسيا صعبا جدا في أهالي المدينة وحالات السلب والنهب والخراب والدمار والتي لم تتقدم الحكومة الاتحادية ولا أي منظمة اممية ببذل جهدها بإعمارها وتعويض المتضررين وإعادة الحقوق المغتصبة وتفعيل القضاء العادل لإنصاف المظلومين .
وللبحث عن حقيقة لما يجري هنالك تمكنت من التواصل قبل أيام هاتفيا مع احد امراء الآيزيديين ا(لأمير صخر بن معاوية) وهو رئيس منظمة سنجار للتنمية والإغاثة وحقوق الانسان وأوضح لي (اننا كمكون يزيدي نعتز بعراقيتنا ونرحب اشد الترحيب بإبرام أي اتفاقية لإعادة الأمان والاستقرار في ربوع قضاءنا لكن ليس بالطريقة المبهة التي عقدت كصفقة بين الحكومة الاتحادية وبين حكومة إقليم كردستان دون مشاورة العشائر الكبرى والاستئناس برأيهم والاستماع لمطالبهم وخاصة نحن الطرف الأكثر تضررا من إرهاب داعش حيث مازال العديد من عوائلنا وبناتنا مشردين في بقاع الأرض واللذين تم بيعهم كسبايا في دول عربية امتد نفوذ داعش اليها واجنبية كروسيا وتركيا ,ونحن نشد على يد كل من يسعى للم شملنا ونفتح ذراعينا لجميع العشائر العربية والتركمان والاكراد لننقذ مدينتنا من الضياع ) انتهى حديث الأمير صخر .
فكل تلك الملفات الشائكة تجعل من القضاء قنبلة موقوتة قد تهدد السلم والامن المجتمعي فيها وفي الدول المحاذية لها ولن يسلم من شررها احد, فبات على الجميع الاحتكام الى لغة الحوار والعقل وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الضيقة والتسامي ولعق الجراح ومغادرة لغة الثأر والانتقام فالجميع قد أصابه الضرر ولا طريق ولا عيش الا بوضع السلاح جانبا والبدء بالحوار ,,
وإلا ستأكل النار الأخضر واليابس و ولات حين مندم..