في الحادي عشر من أيار العام 1939 جاء إلى الدنيا الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم، ولم تكن والدته تعلم أن ابنها الوسيم الانيق سيصبح شاعرًا لامعًا في أنحاء المعمورة، تباهي به فلسطين والعروبة.
لقد شغف القاسم بالحياة، وعن ذلك قال : “لقد أحببت الحياة دون أن أخافها، وهأنذا لا أحب الموت لكنني أخافه.. عشت لا كما كنت أتمنى أن اعيش، لكنني عشت كما ينبغي للمرء ان يعيش. لم أهدر الوقت عبثًا، وحتى لو أردت فما كان بمقدوري ان استخف بالوقت، لست نادمًا على شيء. لم افعل ما يغضب اللـه، رغم يقيني بانني أغضبت كثيرين من البشر، والذين أغضبتهم هم إما السذج أو الأشرار”.
سميح القاسم أشهر من نار على علم، فهو شاعر الوطن والرفض والمقاومة والكفاح والثورة والعروبة، وسيد الأبجدية، وقيثارة فلسطين، والشاعر القديس والكثير من الألقاب والأوصاف. وهو من أجمل وأصفى الأصوات الشعرية الفلسطينية والعربية، وواحد من الشعراء الشكلانيين الذين أعطوا الشكل قسمًا استثنائيًا في أعمالهم على حساب المضمون، وخارج دائرة الشعراء المضمونيين الذين اعطوا المضمون أكثر مما يستحق في العمل الشعري- وهذا باعترافه.
اختار الالتزام بمحض وعيه وإرادته، والتزامه صادر عن قناعة بالوحدة الجدلية بين الفرد والمجتمع وبين الشاعر والكون. وكما قال مرة إنه شاعر ذاتي مغرق في ذاتيته، لكن هذه الذاتية منتسبة دائمًا للذات الجماعية بكل أبعادها القومية والوطنية والإنسانية.
وتجربة القاسم الشعرية والحياتية ملتصقة ومرتبطة بقضية شعبه ووطنه وأمته، وجماليات شعره جزء لا يتجزأ من جماليات الصوت والفكر والروح التي ميّزت القضية الوطنية المقدسة التي كرس حياته بالذود والدفاع عنها، والانتصار لها.
وما يسم أشعار القاسم سعة الخيال، وخصب اللغة، الممزوج بحدة الانفعال، وبالشكوى والالم والحزن على ما آلت إليه أوضاع شعبه وقضيته التحررية.
فيا أبا وطن، يا مبدع الكلمة، وحارس الشعر، وحارس القمة الإبداعية، وحارس شرف الحرف والالتزام الوطني، الراقد في حضن ثرى الرامة في ربوع الجليل، في يوم ميلادك نجدد عهد الوفاء لك، ونستحضر صورتك وملامحك، ونعود لقراءة أشعارك من جديد، ننشد معك “منتصب القامة امشي” ونمضي على دربك، درب الكفاح، إلى أن يتحقق حلم العودة والاستقلال، وعشت خالدًا مخلدًا في قلوبنا وذاكرتنا الوطنية الحية، ولك دفء القلب.