تعرف الأزمة بأنها ظرف طاريء وغير اعتيادي يتطلب اجراءات استثنائية لمعالجته , وغالبا ما تكون الازمة او الكارثة محدودة الزمن وتعتمد معالجة آثارها وتداعياتها على توفر الامكانيات اللازمة للتصدي لها والكفاءة في استخدام الموارد , وقد يصلح هذا التعريف للدول التي تمر بظروفة طارئة ربما تحصل مرة كل سنة او عدد من السنوات, ولكن ما شهده العراق هو عددا كبيرا من الكوارث والازمات المتعددة بعضها طبيعي والآخر من صناعة البشر , فالحروب التي خاضها البلد منذ ولدنا لحد الآن كما ان الكوارث من الفيضانات والحرائق البريئة والمفتعلة والفيضانات المقصودة وغير المقصودة والسرقات الفردية والمنظمة والاغتيالات والتفجيرات الداخلة عبر السيطرات او من تحتها , تجعل بلدنا في حالة أزمة مزمنة ولم يتم التشافي منها لحد الآن , بل ان القادم ان لم تتم معالجته جذريا ينذر بما هو أشد وأصعب بوجود الدواعش ومن يساندهم في ثلث مساحة العراق والخلايا النائمة والحاضنات في مساحات لم تتم قياس طولها وعرضها بعد .
ان ما أثار اهتمامنا بهذا الموضوع الحيوي والمهم , هي دعوة سماحة السيد عمار الحكيم أثناء القاء كلمته في مؤتمر النازحين قسرا الذي أقامه المجلس الاسلامي الأعلى يوم الجمعة 13 /9 , حيث دعى الى تبني فكرة تشكيل هيئة للكوارث والأزمات تتولى ادارة الأزمات التي يمر بها العراق ومن ضمنها وجود أكثر من مليون ونصف نازح عراقي خارج مدنهم وهم معرضون لأشد الظروف لان الشتاء يطرق الابواب والمدارس والجامعات التي تأوي جزءا منها على وشك ان تخرجهم لان العام الدراسي سيبدأ في هذه الايام , ولعل هذه الدعوة جعلت العديد يتساءل هل من المعقول ان لا تكون في العراق وزارة للأزمات رغم كثرة الوزارات السيادية وغير السيادية , فوزارة الازمات موجودة في اغلب الدول المتقدمة التي لا تواجه الا بعض الازمات مرة كل سنة او في المواسم او الدورات الفلكية , ونحن نواجه أزمات مزمنة تأصلت جذورها وباتت تعيش يوميا في مفردات حياة أغلب المواطنين بشكل حول الاستثناء هي الحالة السائدة في معظم الفعاليات .
ان من فوائد هيئة الكوارث والازمات التي اقترحها سماحة السيد هو توحيد وتنسيق الجهود الوطنية وفعاليات المجتمع المدني لاستيعاب وفهم وتحليل الكوارث والازمات وايجاد المعالجات اللازمة لها والشروع بتنفيذ اجراءات التصدي لها للعودة الى الحالة الطبيعية بأقل الخسائر الممكنة بشريا وماديا واجتماعيا ونفسيا واقتصاديا وسياسيا , وهي البديل الحقيقي والموضوعي ل(الهبات) والتخبط والمعالجات التي ربما تقترن بشبهات الفساد الاداري , ويمكن لمثل هذه الهيئة أن تكون لها تنبؤات وتوقعات وبرامجيات متقدمة لتقدير الأزمات والكوارث المتوقعة ووقت حدوثها والاجراءات الوقائية وتحديد النفقات المالية وغير المالية لها لرصدها ضمن تخصيصات الموازنة دون حاجة لتعطيل أقسام وفصول للصرف كما يحصل حاليا , فموازنة 2014 قد استنفذت أجزاءا منها لان هناك العديد من الجهات التي تولت الصرف منذ بداية أزمة النازحين مطلع العام الحالي لدرجة ان البلد يعيش بدون موازنة لحد الآن , كما يمكن للهيئة ان توثق فعالياتها لكي تكون مرجعا يعين الاخرين في مواجهة الازمات .
ويمكن ان ترتبط بالهيئة (المقترحة) تشكيلات ذات صلة بعملها مثل مديرية الدفاع المدني ودائرة الرصد الزلزالي والأنواء الجوية اوغيرها , وحتى وان لم ترتبط بها من الناحية التنظيمية او الادارية فأنه يمكن ان تنشأ مجلسا للكوارث والازمات تمثل فيه الجهات المعنية بالموضوع , وبما يمكن الهيئة في التعامل مع الكوارث والازمات من خلال غرف عمليات تتضمن كل ما يتعلق بالرصد ونظم المعلومات والتجارب العالمية ونتائجها , وهذا من شأنه تخفيف العبء عن رئيس مجلس الوزراء الذي غالبا ما يتولى ادارة مثل هذه الشؤون باعتباره على رأس السلطة التنفيذية , فهناك الكثير من الامور التي يمكن انجازها بالتنسيق وتوحيد وحشد الجهد الوطني بما يجعل هيئة الكوارث والازمات قادرة على انجاز الكثير من االمهمات والمبادرات واستثمار عامل الوقت والرجوع الى مجلس الوزراء متى ما دعت الحاجة الى مزيد من الامكانيات او الصلاحيات او لغرض التنسيق الاقليمي او الدولي بشأن ما يمر به البلد من ازمات مع تحميل الهيئة المسؤولية الوظيفية والوطنية عن ادارة الازمات .
ونتمنى أن يحظى هذا المقترح بالرعاية والاهتمام , وقد علم به رئيس مجلس الوزراء لأنه كان حاضرا في المؤتمر والقى كلمته التي أعلن فيها عن قراره المبلغ للقيادة العسكرية والذي تضمن ايقاف قصف المدن بالطائرات مع توعده بمطاردة الدواعش الذين يتخذون من المدنيين دروعا بشرية , ونقترح ان تكون الهيئة بداية لتشكيل وزارة بنفس المسمى وان تتم دراسة مهامها وواجباتها واختصاصاتها وتشكيلاتها وصلاحياتها بشكل علمي من خلال المختصين في الجهات المعنية وباشراك المكاتب الاستشارية للجامعات , ومن المفضل أن يكون ارتباط الهيئة المقترحة بمجلس الوزراء لتسهيل اتصالها ولاختصار المخاطبات , ونتمنى ان لا يخضع تشكيلها ورئاستها الى المحاصصة المقيتة لأنه يتوجب ان تحتضن أعلى القدرات والكفاءات من ذوي الاختصاص والتكنوقراط وبما يضمن مهنيتها وادائها لمهامها في كل الظروف وبدون أية ضغوطات لتكون أداة فاعلة لخدمة العراق والعراقيين بما في ذلك تخفيف وطأة الازمات والكوارث (التي نتمنى ان تنجلي ) وبشكل يقلل من خسائرها ما امكن ذلك .
ونرجوا أن لا يعتقد البعض ان تشكيل هيئة تعنى بالكوارث والأزمات ستكون حلقة فائضة وتزيد من المركزية المفرطة التي يعاني منها بلدنا , فقد استطاعت الدول المتقدمة أن تزيل الكثير من الآثار السلبية والخسائر من خلال وجود وزارات لديها تعنى بهذه الامور تحت مسميات الكوارث او الازمات او الطواريء, فوجودها يغطي نقصا في مجال تتبع وترصد وتوقع الأزمات والكوارث ومعالجتها من خلال جهة ذات اختصاص بالتنسيق مع التشكيلات الرسمية وغير الرسمية وهو ما نفتقده بالفعل , ففي الأزمات التي مرت على بلدنا فاتت الكثير من الفرص وأهدرت الكثير من الأموال لان الجهود لم تكن منظمة وأغلبها مجزءة وتغوص في البيروقراطية والمخاطبات وبعضها تمت الاستجابة لها والبعض الآخر تم التغاظي عنه مما أوجد الكثير من اللجان التحقيقية للبحث عن الأسباب , ولعل من حسنات هذا المقترح( فضلا عن اهميته وواقعيته ) انه جاء من شخصية معروفة باخلاصها واعتدالها ونزاهتها ومواطنتها وفي توقيت مهم في معانات العباد والبلاد .