22 ديسمبر، 2024 10:48 م

سلوك “هولاكو” وعزيمة “قطز”؟!!

سلوك “هولاكو” وعزيمة “قطز”؟!!

هولاكو الذي أحرق بغداد على الأرجح في (10\2\1258) , صاحب عقيدة دينية , ويرى أنه ينفذ عِقاب الرب في خلقه , وما هو إلا مؤيّد ومنصور بقوة ذلك الرب الذي رفع راياته جدّه جنكيز خان , ففتحت له الدنيا وأذلت الملوك والقادة والسلاطين , فامتلكهم واستباح بلدانهم وعاث فسادا وقتلا بديارهم.

ومن الكلمات التي توضح عقيدته الدينية التي تحكّمَت بسلوكه ما يلي:

“من نائب ربّ السماء ماسح وجه الأرض ملك الشرق والغرب قان قان”

مفتتح رسائل إبن جنكيز خان في رسائله الموجهة لملوك الإسلام يدعوهم للطاعة. (البداية والنهاية لأبن كثير ج13-156).

“ولابد أنه قد بلغ سمعك على لسان الخاص والعام ما حل بالعالم والعالمين على يد الجيش المغولي….., وذلك بحول الله القديم الدائم”

من رسالة هولاكو إلى المستعصم بالله يعاتبه ويهدده ويطلب منه الخضوع سنة 655 هجرية.
(جامع التواريخ للهمذاني ج3 , ق1-268)

“إن الله الأزلي رفع جنكيز خان ومنحنا وجه الأرض كله من الشرق إلى الغرب”

من رسالة هولاكو إلى المستعصم بالله , بعد أن أغضبته الرسالة الجوابية من الخليفة.

(جامع التواريخ للهمذاني ج2, ق1 – 271)

“أما بعد: فقد نزلنا بغداد سنة ست وخمسين وستمائة فساء صباح المنذرين , فدعونا ملكها فأبى فحق عليه القول فأخذناه أخذا وبيلا ………, فما ذلك على الله بعزيز والسلام على من اتبع الهدى.”

من رسالة هولاكو إلى الناصر الأيوبي صاحب حلب بعد سقوط بغداد , وكتبها له بالعربية نصير الدين الطوسي.

(جامع التواريخ للهمذاني ج2, ق1 – 296)

“إنّا لما توجهنا إلى العراق وخرج إلينا جنودهم فقتلناهم بسيف الله.”

من رسالة أخرى من هولاكو إلى الناصر صاحب حلب.

وفي رسالة أخرى:

“أما بعد: فنحن جنود الله بنا ينتقم ممن عتا وتجبّر , وطغى وتكبّر , وبأمر الله ما ائتمر. إن عوتب تنمّر , وإن روجع إستمر وتجبّر.”

(شذرات الذهب للحنبلي ج5, 272-273)

“بإسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء……أنّا نحن جند الله في أرضه , خلقنا من سخطه وسلطنا على مَن حلّ به غضبه.”

من رسالة هولاكو إلى سلطان مصر قطز .

(كتاب الملوك للمقريزي ج1 , ق2 , 427-429).

هذه المقتطفات من رسائل هولاكو تشير إلى أن عقيدته قد ترجمتها له أقلام خبيرة بلغة الضاد , لأنه كان يخاطب ملوك المسلمين بالعربية , وهذه العقيدة لا تختلف عما هو شائع اليوم في بلدان الدمار الشامل , المقنع بالتغيير والديمقراطيات الفتاكة!!

فما أشبه اليوم بالبارحة!!!

فكل آثم يدّعي بأنه غضب الله ونقمته , وسيفه الشديد وحكمه الوعيد , ولله في خلقه شؤون , وما أعجب ما يؤولون ويفسرون بمنظار أمّارات السوء التي فيهم!!

لكن هذه العقيدة إنهزمت شرّ هزيمة في معركة “عين جالوت” في (3\9\1260) , بقيادة سلطان مصر المملوكي “قطز” , فكيف تمكن “قطز” من هزيمة عاصفة الشرور التتارية الهوجاء , وردّ سوئها إلى نحرها؟

بعد رسالة هولاكو المحشوة بالوعيد والتهديد , والكبرياء والصلف والترعيب الشديد , والتي ختمها بهذه الكلمات :” فقد أنصفناكم إذ راسلناكم وأيقظناكم إذ حذرناكم. فما بقي لنا مقصد سواكم . والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى , وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى”
“ألا قل لمصرها هُلاوُن (هولاكو) قد أتى
بحدّ سيوف تنتضى وبواتر
يصير أعز القوم منها أذلة
ويلحق أطفالا لهم بالأكابر”

إجتمع السلطان “قطز” بأمرائه , واستمع لخطبهم المرتعبة , التي تهوّل من قدرات هولاكو وقادته , وتستهين بقدرات مقاومته والوقوف بوجهه , وبعد نقاش طويل , قال الأمراء:”ليس لنا طاقة ولا قدرة على مقاومتهم فامر بما يقتضيه رأيك”!!
وبعد روية ونظر قال “قطز”: “إن الرأي عندي هو أن نتوجه جميعا إلى القتال , فإذا ظفرنا فهو المراد , وإلا فلن نكون ملومين أمام الخلق”.
وتشاور مع البندقدار( أمير الأمراء) الذي قال: “إنني أرى أن نقتل الرسل ونقصد كيتوبوقا (قائد التتار) متضامنين , فإن إنتصرنا أو هُزمنا فسوف نكون في كلتا الحالتين معذورين”
فاستصوب السلطان قطز هذا الكلام وأمر بصلب رسل المغول ليلا.
(جامع التواريخ للهمذاني ج2 , ق1 311-313).

السلطان “قطز” بقراره غيّر وجه التأريخ , فمعركة “عين جالوت” من المعارك الحاسمة الفاصلة في مسيرة البشرية , لأنها أعادت كيد التتار إلى نحورهم , ومزقتهم شر ممزق , حتى صار القتال فيما بينهم.

السلطان “قطز” أسقط هولاكو من علياء أوهامه وضلاله , ومرّغ أنفه في التراب , فأصابه ما أصابه من الإنهيارات النفسية والذهول , واليأس والبؤس حتى باء بموت أليم.

لكن التأريخ العربي لا ينصف هذا القائد , الذي قتِل بَعد أشهر من هذه الملحمة الخالدة , ولا يتعلم الدروس من معركة “عين جالوت”!!

فما أحوج الأمة لإرادة السلطان “قطز” ورأيه الحازم العازم العنيد , الذي يؤمن بأن النصر أكيد , عندما يثِبْ العرب جميعا متضامنين كفريقٍ واحد إلى أهدافهم.

ترى هل لمصر معركة واعدة فيها روح “عين جالوت”؟!!

*قطز:هو الملك المظفر سيف الدين قُطُزْ , ثالث سلاطين المماليك في مصر , وحكمها لأقل من عام واحد , وبقيادته هزَمَ المسلمون جيوش التتار. واشتهر بندائه في معركة عين جالوت “وا إسلاماه…يا الله أنصر عبدك قطز على التتار”.