ترتبط المواعيد الدستورية بما يعرف عالمياً بـ”النظام العام” وتجاوزها يعني مخالفة قواعد هذا النظام، غير أن غياب النصوص الدستورية التي تجرم الحنث باليمين ومخالفة النصوص القانونية سمح بتكرار حالة الفراغ الدستوري التي يعيشها العراق اليوم. ويعرف “النظام العام” في الفقه الإداري العراقي، على أنه مجموعة من القيم السياسية والقانونية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي يعتبرها المجتمع ثابتة لا يمكن المساس بها. لكن النخب السياسية في العراق بعد عام 2003 فشلت في ترسيخ هذا المفهوم عوضاً عن تعمدها تجاوز الأنظمة والقوانين لخدمة مصالحها الآنية، فلم تتمكن حتى اليوم من التأسيس لأعراف وتقاليد سياسية سليمة يمكن من خلالها بناء دولة ديمقراطية حديثة على أنقاض الحكم الشمولي السابق.
سبق أن دخلت البلاد في 2010 حالة مشابهة، حينما اختلفت القوائم الفائزة في الانتخابات آنذاك في تفسير معنى “الكتلة البرلمانية الأكبر” لمدة 8 شهور قبل أن تفتي المحكمة الاتحادية العليا، بأن الكتلة الأكبر التي يحق لها تسمية رئيس الوزراء تتشكل في الجلسة الأولى للبرلمان، وليس الفائزة بالمركز الأول في الانتخابات. وتكرر الأمر في صيف العام الماضي، بسبب مخاضات الطعن بالانتخابات ونزاهتها ومسارات تشكيل الحكومة المتعثرة في ضوء عدم نضج التحالفات السياسية وتقارب بالأوزان الانتخابية.ولم يقف الأمر عند تشكيل الحكومات، فحدث تجاوز المواعيد في تنفيذ بعض مواد الدستورية والمذكورة في فصل “الأحكام الانتقالية”، ومن أبرزها المادة 140 من الدستور والمتعلقة بتطبيع الأوضاع في المناطق المتنازع عليها وكان من المقرر أن ينتهي تنفيذها عام 2007. ناهيك عن حالات تعطيل القوانين المهمة التي نص عليها الدستور مثل الموازنة العامة ومجلس الاتحاد، إضافة إلى تعطيل انتخابات مجلس المحافظات وتغيير مواعيد الانتخابات التشريعية وغيرها كثير.
ويوم 22 ديسمبر (كانون الأول) 2019 تكررت حالة الفراغ الدستوري، في مشهد يوحي بعجز المشرع عن الإتيان بنصوص تحول دون عودة الأزمة، وسببها عدم قدرة رئيس الجمهورية على تسمية رئيس وزراء جديد خلفاً للمستقيل عادل عبد المهدي خلال فترة 15 يوماً كما نص الدستور، لعدم تمكن البرلمان من تحديد “الكتلة الأكبر” وتعدد الآراء والمواقف بشأنها، ولا يعلم أحد موعد تقديم المرشح الجديد لرئاسة الحكومة أو من يتحمل مسؤولية هذا الخلل. ولعل السبب في ذلك هو سكوت الدستور عن معاقبة من يخالف أو يعطل مواده، واكتفى بترك الأمر إلى المحكمة الاتحادية في المادة 94 حينما نص على أن “قرارات المحكمة ملزمة لكافة السلطات”. غير أن الأطراف السياسية العراقية لم تختبر القضاء بهذا الخصوص إلا في ما يتعلق بموضوع “الكتلة الأكبر” وتفسير النصوص الغامضة.
قانون العقوبات
ويرى خبراء أنه من الممكن أو الواجب، اللجوء إلى قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969، لسد النقص الحاصل في التشريع الدستوري. على سبيل المثال، مادة 224 “يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من لجأ إلى العنف أو التهديد أو أي وسيلة أخرى غير مشروعة لحمل رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه على أداء عمل من اختصاصه قانوناً القيام به أو على الامتناع عنه. وتكون العقوبة السجن الموقت إذا وقع الفعل على رئيس الوزراء أو نائبه أو أحد من الوزراء أو من أعضاء مجلس الأمة”. وكان الرئيس العراقي برهم صالح قد تحدث عن عدم قدرته على تسمية رئيس وزراء بعد ضغط الأطراف السياسية عليه من أجل تسمية بعض الشخصيات، كما أن بعض الأنباء تحدث عن محاولات تهديد وابتزاز تعرض لها صالح. وتنص المادة 329 على أن “يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف أو مكلف بخدمة أمة استغل وظيفته في وقف أو تعطيل تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين والأنظمة أو أي حكم أو أمر صادر من إحدى المحاكم أو أي سلطة عامة مختصة”. وبطبيعة الحال، “أحكام القوانين” تكون من ضمنها نصوص الدستور باعتباره القانون الأعلى في البلاد، ومن الضرر بمكان أن الفراغ الدستوري سببه تعطيل القوانين والمواد الدستورية. والفقرة الثانية من المادة نفسها تنص على، “يعاقب بالعقوبة ذاتها كل موظف أو مكلف بخدمة عامة امتنع عن تنفيذ حكم أو أمر صادر من إحدى المحاكم أو من أي سلطة عامة مختصة بعد مضي ثمانية أيام من إنذاره رسمياً بالتنفيذ متى كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلاً في اختصاصه”. ولعل الاختلاف في تفسير قرارات المحكمة الاتحادية يدخل في اختصاص هذه المادة من قانون العقوبات الذي يزخر بالمواد العقابية الخاصة بتعامل السلطات التنفيذية والتشريعية، بالشكل الذي يمكن بواسطته منع، أو على أقل تقدير، تحجم الخروقات القانونية وإنهاء ما يعرف بمراحل الفراغ الدستوري. و أن “أي فعل لا يمكن تجريمه أو المحاسبة عليه ما لم ينص عليه القانون، وبما أن الدستور قد جرّم انتهاك الدستور، لكن المنظومة التشريعية العراقية تخلو من نص خاص يوجد عقوبة لذلك الفعل”. وعلى الرغم من كثرة الاتهامات التي يطلقها الرأي العام بأن هناك حالات عدة لانتهاك الدستور، لم نسمع أن المؤسسة التشريعية ناقشت مشروعاً لهذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي نص عليها الدستور”. وعلى مجلس النواب بأن يعالج هذا النقص التشريعي الخطير لكي تكون هناك محاسبة حقيقية لمن يتخطى النصوص الدستورية أو يتجاوز تطبيقها”. و أن “القانون يجب أن يحدد الجهة القضائية التي تتولى محاسبة المتهمين عنها، وفق ما نص عليه الدستور والأعراف القضائية، وإجراءات المحاكمات والعقوبات التي يجب أن تفرض في حال الإدانة”.
وبعد امتداد رقعة المظاهرات وتزايد حجم المشاركين فيها في العاصمة بغداد والعديد من المحافظات العراقية، اثر تصريحات المرجعية الشديدة اللهجة الموجهة للمرة الثانية خلال أيام لاقطاب الحكم، والداعمة للمتظاهرين .انتقلت السلطة المطلقة من استعمال الرصاص الحي والغاز المسيل الى القتل عمدا بواسطة المتفجرات والمفخخات الحارقة والقنابل الصوتية والدخانية الشديدة الانفجار ومواجهة الشباب في ساحات التظاهر عسكريا للحد من تواجدهم وانهاء حراكهم باي ثمن.
ليس غريبا ان تمارس “السلطة المطلقة “واجهزتها اساليب العنف المفرط بحق ابناء شعبها عندما يتعلق الامر بمصيرها السياسي .الغريب أن تذهب الى الخداع والكذب والتظليل والاتهام والتصريحات المشبوهة .كالتي صرح بها مؤخرا بعض المسؤولين والمتعلقة بحدثين خطيرين :القول بوجود “طرف ثالث “دون الادلة:؟ ن وكيف .ومسألة “القنابل المحرمة “وما يحيطها من غموض واتهام طرف مجهول َم لا يمكن الا ان يكون من اتباع السلطة .!!الغريب ايضا أن تظهر فئة الانتهازيين والنفعيين في وسائل الاعلام والشارع “ن ن يسمون بمفكرين اسلاميي “للقيام بحرب ما يسمى بـ “خلط ً مثقفين وصحفيين وم الاوراق “باسلوب منمق لا يخلو من مواعظ ورسائل مبطنة لطرف المتظاهرين على سبيل المثال لا الحصر، شعار تسويق ان يكون التظاهر “سلمي “بعيدا عن “العنف .”ايضا التخندق لاشاعة الخوف من “الفراغ الدستوري “المزعوم ..و”العنف “ان حصل، حدث في علم المنطق طبيعي، لا يتناقض “كرد فعل “مع هدف التغيير والاصلاح بدافع الحرص على المصالح العليا للدولة، حينما تنقض السلطة الفاشلة العهد وتتعامل مع المجتمع بإستعلاء وتقوم بقتل الابرياء بدم بارد
السؤال هل القائمين على رأس السلطة التشريعية، نواب ومستشارين ولجان .والسلطة التنفيذية برئيسها ووزرائها المكلفين بإدارة شؤون الدولة واولئك الذين أوكلت لهم رئاسة الجمهورية والقضاء .ممن يسيطر عليهم هاجس الخوف من السقوط في فراغ دستوري في حال استقالة الحكومة او سقوطها المحتوم تحت الضغط الذي يفرضه الواقع الشعبي الميداني دون هوادة ..هل هم فعلا لهذه الدرجة من السذاجة والغباء حينما يرددون لاقناع المجتمع الذي لفظهم، بأن زوالهم سيذهب بالبلد نحو الهاوية؟.
فاي هاوية اكثر من التي اوصلت العراق اليها هذه الطبقة حتى يخافوا من فراع دستوري تجاوزه الحدث وسجله التاريخ في ذمة العراقيين دون رجعة ..فالعراق وفي به على مدى حكم النظام ّ اقسى وضع مر تعطيل الدستور 3002 البائد والحصار والحروب والمجاعة والاحكام الجائرة .ومن بعد غزوه في العام ومؤسسات الدولة وإقرار حل الجيش وقوات حفظ الامن والشرطة من قبل الحاكم الامريكي “بريمر ” تحت ضغط واصرار الفئة السياسية من الكرد والعرب الذين جاؤوا مع المحتل لتسلم الحكم .لم يحدث ان ذهب العراق الى المجهول بسبب وعي العراقيين وشعورهم بالمسؤولية ازاء وطنهم الذي احبوه ومن اجل سيادته ووحدة ترابه ومستقبل أبنائه قدموا التضحيات. ان شعار الحراك المركزي في ساحات التظاهر “نريد وطن “شعارا جامعا، يحمل العديد من الدلالات الوطنية والمعنوية والقيمية، ويجسد قداسة “الوطن ” أكثر من مفهوم “دستور “تتباكى عليه فئة سياسية ماسكة بالسلطة منذ ستة عشر عاما دون اي جدوى.
ويبدو أن عبد المهدي والحلبوسي وصالح لحد اللحظة لم يسمعوا نصائح العقلاء في المجتمع لان يتداركو الامر وتصويب العقل باتجاه مطالب الجماهير واولها “الرحيل “لابعاد البلاد والعباد من وقوع كارثة قد لا تحسب عواقبها .بيد أن عدم استجابتهم لم تعد لها اي قيمة لانهم في النهاية سيغادرون لأمرين أولهما :انهم شركاء بكل ما حصل ويحصل من فساد وظلم وانتهاك للدستور والقانون .والامر الثاني، انهم جزء من سلطة الدولة العميقة او ما يسمى بفئة “الحيتان ” بالقرار السياسي ً الكبيرة للفساد التي تمسك فعليا والاقتصادي بإيقاع منضبط وتترأس منظومات حزبية وميليشياوية تملك السلاح .الأمر الذي يضعنا امام حقيقة جسيمة غير استثنائية عابرة .بأن هذه الطبقة التي جاءت للحكم على انقاض حكم طبقة مجرمة، هي طبقة من اللصوص المحترفين، التي لا تريد ان تضع حدا لاستئثارها بالحكم وتوقف استهتارها بالشعب والوطن عبر وسيلة التسويف .ان عادل عبد المهدي الذي استضبع ممارسة السياسة على طريقة والده وتنقل خلال حياته بين احزاب وحركات سياسية مختلفة :الحرس القومي لحزب البعث ومن ثم التروتسكية وبعدها الى الماوية ثم ارتبط بالبعث اليساري الموالي لسوريا ثم انتمائه الى المجلس الاعلى واخيرا سياسي مستقل لم يحصل الا على بضعة اصوات في الانتخابات الاخيرة، وكتلته لا تزيد عن نائبين الا أنه اصبح رئيسا لمجلس وزراء دولة العراق ..يبقى السؤال الهام الذي بالتأكيد لا يستطيع رئيس الوزراء عبد المهدي وحاشيته الاجابة عليه :ما اوجه الصلة بين خوفه من الدخول في فراغ دستوري، وقتل الشباب العراقيين الابرياء؟ .الاخطر ان عبد المهدي كما تفسر تصرفاته اليومية، ليس خائفا من الدخول في فراغ دستوري، بقدر خوفه من تركة سياسية وعقائدية وآيديولوجية ثقيلة تهدد مصيره السياسي .وبالنهاية فان الدستور ان تعلق الامر بمصالح هذه الطبقة، لا يشكل جوهر القضية، لكنها مستعدة لان تجاهر بتطبيقه حد تسويف القسم جورا على اللذين يخالفوها .ويبقى القول الفصل، على الشعب في ظرف موضوعي يتناغم بشكل ايجابي مع مجمل الحدث، ان لا يقبل البحث عن مخرجات ترقيعية سوى الاصرار على رحيل هذه الطغمة الفاسدة دون رجعة.
من وجهة نظر ساسة وخبراء، فإن ما يمرّ به العراق اليوم هو فراغ سياسي فقط، وليس دستوري او حكومي ومعناه هو فشل الأحزاب في إبرام اتفاق سياسي، ولا يترتب عليه أي آثار في ما يتعلق بمؤسسات الدولة وطبيعة عملها,وفي الحياة الدستورية العراقية، لا يوجد شيء اسمه فراغ دستوري، الذي يعني انتهاء العمل بالدستور بسبب الفراغ الناتج من عدم تطبيقه”، موضحاً “لدينا خرق دستوري، وهذا الخرق لا يرتب أي أثر قانوني أو دستوري”. وبالنسبة للملا، فإن “عدم تكليف رئيس الجمهورية مرشحاً لتشكيل الحكومة ضمن المدة الدستورية، لن يحدث فراغاً دستورياً وإنما يشكل خرقاً معدوم الأثر. ويعزو كثيرون الإشكاليات التي تعاني منها العملية السياسية في العراق إلى ثغرات دستورية، تستغلها أحزاب سياسية لتحقيق مصالح خاصة. وملء الساحات بالمتظاهرين أهم من الفراغ الدستوري”، مؤكداً أن “لا صوت يعلو على صوت الشعب”. فحينما تعلو الأصوات هادرة في الساحات والشوارع، ينزوي الدستور جانباً باحثاً عمن يصلح نواقصه وقصوره”، معتبراً أن “الشعب فوق الدستور… الشعب مصدر السلطات. وأن “الفراغ الدستوري كذبة طالما أن النظام في العراق برلماني، وأن دورته الحالية لم تنته وفقاً للمدد الدستورية”، وبحسب الأعرجي، فإن حكومة عبد المهدي “ستبقى لتصريف الأعمال اليومية لحين تشكيل حكومة جديدة و إن انقضاء المهلة الدستورية من دون تكليف يعني استمرار حكومة عبد المهدي المستقيلة في تصريف الأعمال لما تبقى من مهلة الشهر المحدد لتشكيل حكومة جديدة، موضحاً أن انتهاء الشهر من دون تكليف رئيس وزراء جديد يوجب نقل السلطات التنفيذية لرئيس الجمهورية، لمدة 15 يوماً، يجري خلالها تكليف رئيس وزراء جديد، وفي حال غاب الرئيس لأي ظرف، فإن الدستور يجيز لرئيس مجلس النواب أن يحل محله، على أن يجري انتخاب خليفة له خلال 30 يوماً
وبهذا المعنى، ستبقى جميع المراكز القانونية مشغولة بشكل أصولي، بغض النظر عن الأشخاص الذين يشغلونها، والجهات التي رشحتهم, لهذا السبب، فهمت حملة التخويف التي قادها تحالف البناء، على أنها فزاعة يراد من خلالها استثمار الشارع ضد رئيس الجمهورية، كي يسمي السهيل مكلفاً بتشكيل الحكومة الجديدة، لكن الخطة تواجه عقبات كبيرة حتى الآن. وقوبلت التحذيرات من الفراغ بحملة استهزاء في مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرها البعض دليلاً على القطيعة بين الشارع العراقي المحتج بحثاً عن وطن، وبين قواه السياسية التي تعمل لأجل مصالحها الخاصة.
ويمكن مناقشة فكرة الفراغ، انطلاقاً من فكرة أنه مصدر للقلق السياسي والشعبي، وقال “لماذا تخشى الدول الفراغ الدستوري؟ كي لا تخرب الديمقراطية، وهي (في العراق) خربانة، كي لا ينفلت السلاح، وهو منفلت، كي لا يعم الفساد، وهو عام ويتمدد”، وخلص إلى القول إن المبتل لا يخشى المطر, ووسط هذه الأجواء، تداولت حسابات نشطاء ومدونين على مواقع التواصل الاجتماعي منشوراً يتضمن الآثار الوهمية التي تركها الفراغ الدستوري على الواقع العراقي، ويجسد سخرية السكان المرة من فشل الأحزاب الدينية في تحقيق حلم الدولة المزدهرة، على الرغم من الإمكانيات الكبيرة التي تحتكم عليها البلاد. .
ولا بد من الاشارة والتأكيد بان ::: الفراغ الدستوري يعني غياب النظم والتشريعات القانونية بسبب إسقاط الدستور في بلدٍ ما ، أما فراغ السلطة أو شغورها يعني غياب رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان لسبب ما ، كالوفاة أو العزل ، أو الإستقالة ، أو المرض ، أو الإصابة بالجنون ، أو الأختفاء كالخطف وغير ذلك . الذي يحصل في العراق الآن يكاد يكون أقرب للغيابين الدستوري والسلطوي حيث هناك تظاهرات شعبية عارمة وإعتصامات متواصلة تهدف لتغيير فقرات الدستور وتغيير الوجوه الحاكمة . يعتبر الفراغ الدستوري من أخطر المراحل التي قد تمر بها الدول عقب أي مسار ثوري، ويختلف الكثير في تحديد ماهية الفراغ الدستوري وآثاره على المستوى الوظيفي والبنيوي للدولة داخليًا وخارجياً ، فالفراغ الدستوري يعبر عن (حالة تفككٍ للأنساق والبنى المؤسساتية للدولة، بسبب تعطل مرجعيتها الدستورية) ، وتختلف إسقاطات هذا المفهوم باختلاف طبيعة أنظمة الحكم في الدول بين النظم الرئاسية أو البرلمانية أو شبه الرئاسية، غير أن نتيجتها الحتمية هي (تعطل كافة الآليات الدستورية لإدارة عملية نقل السلطة، بسبب غياب أي نص قانوني أو مخرج دستوري سليم لحل مسألة الشغور التنفيذي أي رئيس الوزراء) . وفي هذا السياق يخلط الكثير بين الفراغ الدستوري والفراغ أو الشغور السلطوي المتمثل بإستقالة رئيس الوزراء. هذا الشغور يعبر عن حالة شغور منصب رئيس الوزراء لأي سبب كان مثل الاستقالة أو الموت أو العجز، وفي هذه الحالة يتم تطبيق الإجراءات الدستورية لتبديل رئيس وزراء مؤقت لحين إنتخاب رئيس وزراء جديد. وطيلة هذا المسار الانتقالي يعتبر الوضع دستوريًا وكل المؤسسات تكتسب الصفة الشرعية في قراراتها، وهذا الإجراء معمول به في أغلب دول العالم. أما الفراغ الدستوري فيكون عند تعطل الآليات الدستورية لعمل مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسات السيادية (الرئاسة، الحكومة ، السلطة القضائية، البرلمان) بسبب غياب نص دستوري يحدد طريقة تسيير الدولة حال فراغ السلطة، ويقتضي ذلك عدم دستورية أي قرار متخذ من أي جهة قانونية بحكم فقدانها للشرعية الدستورية. ومن أهم تبعات الفراغ الدستوري الغياب التام لأي أثر قانوني للقرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية.
والتحلل الكلي للحكومة من أي التزام قانوني تجاه المواطنين. وتبرز إشكالية الاعتراف الدولي. وبناء على ما سبق فإن للفراغ الدستوري آثار محتملة ومؤكدة سلبية جدا على الحياة والمصالح العامة أبرزها:
1- عدم شرعية القرارات المتخذة من طرف السلطة التنفيذية في جميع المجالات.2- عدم إمكانية إصدار قانون الموازنة المالية للسنة القادمة من طرف الحكومة الحالية وما سيتولد عنه من تحديات ومشاكل.3- تعطل المصالح العامة للمواطنين من رواتب وتعيينات وديمومة عمل كل المؤسسات ودوائر الدولة .4- التبعات الاقتصادية فيما يتعلق بالتعاملات التجارية ومصير المؤسسات الأجنبية ومشاريعها داخل البلاد.5- الهاجس الأمني وإمكانية انفلات الأمور لا سمح الله .6- إضافة إلى غياب الاعتراف الدولي بشرعية الحكومة الحالية وممثليها .
وعليه فمن غير المعقول أن نفسر الفراغ الدستوري بأهوائنا ونزواتنا الخاصة أو نحكّمه في بعض الوقائع دون أخرى، الفراغ الدستور في ظل الاصطفافات الحالية والتيارات والكتل السياسية المتصارعة في ظل التظاهرات العارمة التي تغص بها شوارع وساحات المدن العراقية يعني الإقرار بالتعطيل الكلي للعمل بالدستور ويترتب على ذلك عدم شرعية أي قرارات تصدر من الحكومة أو القضاء أو المؤسسات الدستورية القائمة بما فيها المؤسسة العسكرية ، ويترتيب على ذلك تعطيل المصالح العامة للمواطنين وخلق حالة الفوضى الحقيقية، ويترتب على ذلك تصاعد الهاجس الأمني والاحتراب بين المجتمع في ظل التيارات المتناقضة ، ويترتب عنه شرعنة التدخل الخارجي وبداية الضغوط الدولية وتدويل الأزمة. استقرار المؤسسات , وإن إقرارنا بعدم وجود الفراغ الدستوري أو المرحلة الانتقالية ليس الهدف منه إطالة عمر النظام الفاسد، أو إيجاد المبررات لرموزه حتى تستمر في إدارة المسار الانتقالي، بل الهدف منه هو الحفاظ على استقرار المؤسسات وأمن البلاد ومواصلة مسيرة النضال في أوضاع آمنة ومستقرة على الصعيد الداخلي والخارجي، لأن الحراك الشعبي عندما خرج في مبدئه سعى إلى إصلاح النظام وإبعاد رموزه وليس إسقاط مؤسسات الدولة وتعريضها للمساومات الدولية ورهن سيادتها الترابية وقرارها السياسي، وهذا مسلك غاية في الخطورة وجب التنبيه عليه والتأكيد على ضرورة الوعي بمآلات أي توجه أو فكرة على المجتمع والبلاد ومؤسساتها وأمنها. خلاصة القول إن البقاء ضمن الأطر الدستورية وعدم الدخول في فراغ دستوري ومرحلة انتقالية مفتوحة على كل الاحتمالات والمخاطر هو الطريق الأحكم والأسلم للوصول إلى الانتقال الديمقراطي الآمن، فالأولوية الوطنية تقتضي إجراء ترتيبات سياسية ودستورية ضمن أطار الدستور لا خارجه رغم الإقرار بقصور هذا الدستور ووضعه من قبل أيادي غير حريصة على العراق إلا أن ذلك لا يمنع من استغلال بعض آلياته ومواده لتنظيم المسار الانتقالي المؤقت ريثما يتم انتخاب الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية .
وإزاء كل هذه التحديات الوجودية؛ أعتقد أن المؤسسة العسكرية الآن أمام وضع صعب وامتحان تاريخي يفرض عليها الاستجابة لخيار الشعب والعمل بقوة أكثر لحماية المتظاهرين من جهة ومساعدة القوى الأمنية الأخرى في عملية إستقدام الفاسدين من كل المستويات ودون إستثناء وتقديمهم للقضاء العادل. وأمام كل ما تقدم وأمام هذه المعضلات فالحل الأقرب للقبول هو أن يقوم رئيس الجمهورية بتعيين رئيساً مؤقتاً للوزراء يتميز بالحكمة والقوة ينال رضا الشعب المتظاهر لا رضا الطبقة الحاكمة لأنها مستهدفة بالتغيير، يقوم رئيس الوزراء بمساعدة الأمم المتحدة بتعيين مفوضية مستقلة للإنتخابات، ثم يقومان بحل مجلس النواب وإجراء إنتخابات مبكرة وبعد ذلك يستقيل الرئيس ورئيس الوزراء ، ويأخذ مجلس النواب الجديد دوره المحدد له بالدستور ويقوم بإنتخاب رئيساً جديداً للبلاد وإنتخاب الحكومة ورئيسها ، ويتبع ذلك تغيير بعض أو كل فقرات الدستور، وتسير الأمور بالإتجاه الصحيح والمقبول شعبياً.