18 ديسمبر، 2024 6:25 م

سلطة الخطاب الحاكمة

سلطة الخطاب الحاكمة

يُعــد الخطاب سلطة حاكمة بمحدداته المجتمعية والعالمية على حدٍ سواء، سابقا كنا نؤمن بان الخطاب هو النص واللغة المهيمنة داخله، وما زال هذا التعريف حياً حتى اليوم، فالخطاب هو نص موجَّه الا انه في ظل المهيمنات العولمية لم يعد نصا فحسب ،بل هو ايديولوجية تتناغم مع التحركات العالمية وسباقات العولمة ، واليوم سأحدد حديثي  في كون الخطاب في أحد توجهات تعريفه هو الاعلان، وما يقوده الاعلان من هيمنة على المستهلك، فالخطاب اليوم يتجسد في الاعلان الذي يأتي الينا عبر قنواته الاعلامية المتعددة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يفرض النسق المطلوب تسويقه ضمن المديات المنظورة والفكرة المطلوب تسويقها كي تكون نسقاً محدداً للافراد، والمجتمعات والخطاب ضمن هذه الارتكازة يجعل من العولمة مهيمنا ايديولوجيا واضحا عبر سلطة الاعلان”الخطاب” هذا في ما يخص “السلع” اما “الافكار” فهي تتشابه مع السلع من ناحية إيجاد الخطاب الاعلاني الخاص بالترويج عنها ،فالفكرة يتم تسويقها اليوم عبر الاعلان عنها عبر برامج وندوات وفضائيات ومواقع تواصل اجتماعي ، وهكذا نراها متصدرة فيضحى الخطاب هو المعلن عنها. إننا اليوم وفي ظل الخطابات التي تعد بالآلاف مطالبون بالتمييز بين الغــث والسمين مم يأتينا عبر سلطة الخطاب “الاعلان” فهي سلطة حاكمة ومتحكمة فينا وبمشاعرنا وافكارنا وحاجاتنا ومتطلباتنا وافكارنا فسلطة الخطاب حاكمة وبصورة مطردة ،فللخطاب سلطته عبر الاعلان الذي يعد احد اهم المعبرين عنه في العصر الحالي.
يقوم مجتمعنا اليوم على قوة النص وخطابه الموجه لأبنائه، فهنالك جملة من الألاعيب والاجراءات يمارس الخطاب من خلالها آلياته في حجب حقائق نهضوية نحن بأمس الحاجة الى ايجادها لنهضة مجتمع وأمة، فتحت عنوان النص لا يجوز للمرأة التبرُّج، ولا يجوز لها ان تخرج صوتها كونه عورة، ولا يجوز لها ان تذهب لعمل كون الرجال قوامين على النساء ولا يحق لها ان ترث ارثاً كاملاً كون للرجل مثل حظ الانثيين، فهذه هي هيمنة النص وقوته ، كما يحق للرجل الزواج باثنين وثلاث واربع كون النص يحميه ، وهكذا يعد النص القرآني او الحديث او الرواية الواردة هو مادة دسمة لقوة الخطاب اللاهوتي داخل المجتمع، وتحت عنوان النص عليك ان تعطي اموالا للمؤسسة الاسلامية تحت عنوان الخمس وغيرها من المفاهيم ، بالنتيجة نحن بحاجة الى تفكيك هذه النصوص وتبيان مدى اهميتها في العصر الحاضر ، وكيفية التعامل معها لانجاح حقائق اكثر انسانية من هذه النصوص ، وهنا ينبغي ان يكون النص منطقة للتفكير او حقلا للبحث وهذا معناه انه يحتاج الى قراءات تحوله الى منتج معرفي وليس بقاؤه في خانة التقديس اللامنتهية ، وهنا علينا ان نقرأ النص قراءة استراتيجية ذات مفاهيم تفكيكية ، والقراءة التي نحن بحاجتها هي القراءة المبنية على الفكر الحي الذي ناقشته في أحد كتبي المخطوطة ، فالحقائق يظهرها مبدأ الفكر الحي، وبقراءة متأنية للنصوص علينا ادراك مسألة مهمة ، هي اننا بحاجة ماسة الى قراءة النص ، أي نص بعيدا عن التقديس لذلك نرى علي حرب يعتبر ان (التوسير) قرأ نص (رأس المال) لماركس مبتغيا من وراء قراءته هذه انه: يريد تخليص فكر ماركس من الشوائب الايديولوجية التي شابته ، ويعتبر علي حرب ان قراءته هذه انما تأول ماركس وقرأه قراءة جديدة مبتكرة فاختلف بذلك عنه وقدم نسخة جديدة عن الماركسية ، وهذا ما يمنح قراءته اهميتها ويعطيها مصداقيتها أي : كونها تشكل في الوقت نفسه نصا مختلفا عن نص ماركس وعن القراءات التي خضع لها هذا الاخير ، هكذا ايضا قرأ (جاك لاكان) نصوص فرويد، انه نجح في استثمارها بطريقة جديدة، وذلك بربطه بين اللاوعي واللغة بمعنى انه قرأ العقل الباطن قراءة مبتكرة كما لو انه حديث او خطاب او نص له بنيته النحوية وكينونته الرمزية وهكذا نحن بحاجة الى اعادة قراءة التراث فالكثيرين قرأوا المعتزلة مثلا ، وكذلك الصوفية وغيرها من الحركات ولكن قُرئت في غالبية هذه القراءات ضمن رؤى ايديولوجية للمؤلف ، ولكن هذا لا يعني ان هنالك قراءات مهمة كانت لها نتائج ايجابية وتفكيكية ، فالنص بحاجة الى رؤية واقعية له، ويحتاج الى عين ترى فيه مالم يره المؤلف للنص ذاته، وعين الناقد هي المؤهلة لذلك نرى ان مجتمعنا ما زال يقدس النصوص والاشخاص الذين صدرت منهم ، تلك النصوص، لذلك هو يرفض تقبل النقد لصاحب النص والنص الذي خرج منه ، والنقد في رأيي يصب في مصلحة النص نفسه فهو قراءة مغايرة ومن وجهة نظر اخرى ، هو اعادة قراءة مهمة تكشف عن خبايا النص ، من هنا نقول ان لا حقيقة مطلقة امام نص مغلق ،فنحن نقدس النص ونغلقه في نفس الوقت ونعطيه رمزيات مهمة اكثر من حجمه فتحت عنوان النص اليوم يتجمع الملايين من البشر وبرمزيات غيبية ليس لها وجود حقيقي لممارسة شعائر لا تنتمي للمنطق بتاتا، وتحت عنوان النص واشكالياته تقاد حروب في العصر الحديث، فالحرب السورية اليوم تكشف عن الازمة الحقيقية للنص داخل المجتمع ،فاليوم العالم الاسلامي منقسم نصفين امام الحرب الدائرة في سوريا ، والسبب في ذلك سبب نصي ،فكل يحمل نصوصه وفهمه لها ويحملها حسب اهوائه ورؤاه، ولكن علينا الا نحمل النص اكثر من طاقته ،فالنص لم يامر بالحرب بين السنة والشيعة في سوريا ، ولكن المسلمين حملوه هذا المعنى فتحت عنوان الحفاظ على المقدسات وصياغة النصوص في هذا المجال يقاتل المسلمون الشيعة دفاعا عن ضريح السيدة زينب ، وتحت عنوان قتال الروافض والعلويين يقاتل المسلمون السنة ، وهذا القتال يقع ضمن نصوص يعتمدها الطرفان.
ملحوظتان:
1- علينا ان نكشف الاوراق المستورة عن النص ودلالاته الحقيقية بقراءته قراءة واقعية ، تماما بعيدا عن تاثيرات القداسة.
2- التحرر من سلطة النص مهمة الناقد التفكيكي للنص والتعامل مع النص كموضوع للدرس والفحص او كرأسمال يحتاج الى صرف وتحويل او كحقل للبحث والتنقيب او كمنطلق للتساؤل والتجريب ونقد النص لا يقوم على النقض او النفي، وانما هو استكشاف للامكانات باستنطاق المقولات وتفكيك المفهومات، وهنا استعير مقولة رائعة للمفكر علي حرب “ان نقد خطاب الذات يكشف عن وهم السيادة والحرية والتحكم، ونقد الخطاب العقلاني يكشف عما يدور في العقل من اللامعقول، ونقد خطاب الوجود يبين ما تمارسه مفردة الوجود من تغييب لما يوجد او يتواجد ، ونقد المؤلف يبين ان الاثر يستقل عن مؤلفه كما يستقل المخلوق عن خالقه، ونقد القراءة يبين ان القراءة التي تتعلق بالمقول والمفهوم تتناسى عالما بكامله هو عالم العلامات والرموز ونقد الحقيقة يسفر عن وجه السفسطة في خطابها”.

التعايش السلمي ضرورة حتمية
كي نصنع مجتمعاً خالياً من العنف تضرب في تأسيس المجتمعات الانسانية ، علينا ان نؤمن بالتعايش السلمي كواقع نتجه اليه ، والتعايش يبنى وفق عدة مفاهيم منها : محاربة بعض الافكار التي تضرب مفهوم التعايش ، ومنها مفهوم ” العرق” ،فالعرق هو مفهوم عنصري ينطلق من مفاهيم بيولوجية تحدد جماعات بعينها تنحدر من نسل معين ك” العرق الابيض”،”العرق الاسود” وهكذا ،فالعرق يشير الى العنصرية ، كأن نقول “الكُــرد اغبياء” “العرب متطرفون” “اليهود بخلاء” ،فهذه نظرات عنصررية تنطلق من منطلقات عرقية ، وصل بنا الحال الى ان نشير الى مجتمعات تتبع محافظة معينة بانها مجتمعات متخلفة ونلصق بها صفة تجمعها جميعا، فهذه النظرات العنصرية تنطلق من العرق كمفهوم تجب مناهضته لتحقيق التعايش السلمي الذي هو واقع حتمي يجب ان نتبناه وفق رؤية استراتيجية ، والى جنبه يجب ان يكون الحوار المجتمعي حاضرا فهو الذي يقود التعايش السلمي والاعتراف بمفهوم التعددية الثقافية التي تتناغم مع الاثنية والاثنية تختلف عن العرق ،فالعرق مفهوم بيولوجي ،بينما الاثنية عبارة عن مفهوم ثقافي “سايمون ديورنغ، الدراسات الثقافية ،سلسلة عالم المعرفة” فالاثنية تحتم علينا ان نحترم اية ثقافة نتعايش معها ، وبالتالي توجد الدولة الحديثة التي تتبنى تمكين الافراد ذوي العقائد الدينية المختلفة من العيش بسلام معا كمواطنين ، كما اظهر بدقة عالم الاجتماع السويدي اولف هانيرز” ان كل المجتمعات الحديثة لا تتسامح فقط مع المعاني والقيم التي لا يتشارك فيها كل اعضائها ، بل انها مبنية حولها ” علينا إذن أن نعي ضرورة التنوع الذي اعلنت عنه المنظمة الدولية الرئيسة المهتمة بالثقافة “اليونسكو” “ان التنوع ضروري للجنس البشري بقدر ضرورة التنوع الحيوي بالنسبة الى الطبيعة وان الدفاع عنه هو أمر أخلاقي” فكم نحن بحاجة الى الحقوق الثقافية لتحقيق التعايش السلمي؟

نقلا عن المدى