22 ديسمبر، 2024 4:57 م

سلة خبز العالم : تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية على المنطقة العربية

سلة خبز العالم : تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية على المنطقة العربية

كشف الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022 ، والاضطرابات السياسية التي تسببت فيه ، عن تأثير واسع ومتعدد الأوجه على النظام العالمي فكانت تداعيات ذلك على البلدان الأوروبية المجاورة لها نفس الأهمية بالنسبة للأراضي البعيدة في الأمريكتين ، وآسيا ، وأفريقيا ، بما في ذلك الدول العربية
فالغزو الروسي لأوكرانيا حدث جيوسياسي سيكون له تداعيات عالمية خطيرة تتجاوز الجوانب العسكرية للصراع . في الواقع ، من المرجح أن يواجه العالم آثارًا طويلة المدى على إمدادات الغذاء والوقود التي تنشأ في كل من أوكرانيا وروسيا والتي أصبحت مهددة الآن بسبب العمليات العسكرية في أوكرانيا ومجموعة العقوبات المفروضة على روسيا من قبل المجتمع الدولي. سيحصل العالم العربي على نصيبه المتكافئ من هذه التأثيرات لأنه مستورد رئيسي للمواد الغذائية الأساسية من أوكرانيا وروسيا ولاعب مهم في سوق الطاقة الدولي. في هذا المقال سنقوم بتحليل بعض التداعيات المحتملة الناجمة عن هذه الحرب أدناه.
ومن خلال مجموعة من الاسئلة يمكننا تسليط الضوء على التداعيات السلبية والايجابية لدول الشرق الأوسط، فلابد من معرفة ا الدور الروسي و الاوكراني في الاقتصاد العالمي و ما هي اهم صادرات هذه الدول ؟ و من الدول المؤهلة لتسد حاجة الدول المستوردة من تلك الصادرات ؟
تعد روسيا و اوكرانيا اكبر دولتين مصدرتين للقمح و البذور الزراعية في العالم ، حيث يُطلق على أوكرانيا تاريخياً لقب سلة خبز أوروبا- وهذا اللقب كان سبب حدوث كارثة إنسانية في البلاد، لأنها بذلك أصبحت مسؤولة عن إطعام الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين، وقت كانت خطة ستالين حينها هي أخذ جميع المنتجات الزراعية من البلاد لسد حاجة الاتحاد بأكمله، وكان يحظر على المزارعين أو أهل الدولة أن يستهلكوا ما زرعته أيديهم، مما تسبب وقتها في مجاعة كبرى، والمعروفة باسم هولودومور، والتي قتلت بين عامي 1932 و1933 ما يصل إلى 7.5 مليون أوكراني.
فتميز أوكرانيا زراعة الحبوب مثل زراعة القمح والشعير والذرة والجاودار، جعلها أوكرانيا مصدرًا عالميًا مهمًا للغذاء، وذلك لأنها تمثل 12 %من صادرات القمح العالمية،و16% من الذرة ، و 18 %من الشعير، اما زيت عباد الشمس فتقدر نسبة اوكرانيا في صادرات الزيت عالميا 50 % من صادراته، فضلا عن انها تعد المصدر الثالث عالميا لبذور اللفت بنسبة 19% .
كل هذه الارقام التي تحتلها البلدين اقتصاديا تجعل تداعيات الحرب مخيفة اقتصاديا ، لاسيما بعد إعلان السلطات الأوكرانية، حظر تصدير القمح والشوفان وغيرهما من المواد الغذائية الأساسية التي تعتبر ضرورية لإمدادات الغذاء العالمية ، خاصة الدول العربية على اعتبار ان اوكرانيا تعد من اول الدول المصدرة للحبوب للدول العربية و شمال أفريقيا ، اذ تقدرصادراتها من القمح و الذرة الى دول المنطقة ما يعادل 40 % من صادراتها عالميا . وتتزايد المخاوف من تراجع صادرات روسيا من الحبوب أيضاً بسبب العقوبات الغربية التي تم فرضها عليها.
لذلك نجد ان تداعيات الحرب بدات واضحة بشكلها السلبي والتي قد تؤدي الى انعدام الأمن الغذائي، وإلقاء مزيد من الناس في براثن الفقر، خصوصاً في المناطق التي يشكل فيها الخبز المدعوم حكومياً، جزءاً أساسياً من النظام الغذائي ، لاسيما بعض الدول العربية و في مقدمتها مصر
وسيكون للصراع المطول في كييف تأثير سلبي كبير على مصر، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث يعتمد الملايين من السكان على الخبز المدعوم المصنوع من الحبوب الأوكرانية.كما ستتأثر مصر سياحيا ، اذ تقدر نسبة السياح الروس و الاوكرانيين في مصر مايقارب ثلث السياح على الاقل .
فيما أعلنت سوريا، التي مزقتها الحرب، مؤخراً أنها ستخفض الإنفاق والحصص التموينية، وفي لبنان، حيث دمر انفجار مرفأ بيروت في عام 2020 صوامع الحبوب الرئيسية في البلاد ، تسعى السلطات جاهدة لتعويض النقص المتوقع في واردات القمح، حيث توفر أوكرانيا 60 % من إمداداتها، وتسعى الحكومة لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة والهند وكندا للعثور على مصادر أخرى للدولة التي أعلنت بالفعل إفلاسها .

على الجانب الاخر نجد ان دولا عربية اخرى ستكون تداعيات الحرب عليها ايجابية ، و في مقدمتها الدول المصدرة للنفط ، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية و دولة قطر ، اذ ان هذه الدول ستعمل على زيادة صادراتها من الطاقة عالميا من اجل تعويض النقص الذي سببته العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية على روسيا ، فضلا عن السعودية و قطر فان دولا اخرى كالكويت و ليبيا و الجزائر سوف تشهد تحسنا ملحوضا في ارصدتها المالية و ميزان المدفوعات العالمية ، لاسيما الجزائر توجد في مقدمة البدائل المطروحة ، باعتبارها مورد غاز رئيسي لكل من إيطاليا وإسبانيا ، وثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج وهو ما يعني أنها يمكن أن تكون وسيلة للتخفيف من حدة تأثيرات أي اضطراب محتمل في إمدادات الغاز الطبيعي الروسي . ورغم أن هذا الخيار يمكن أن يوفر للجزائر عائدات اقتصادية تساعدها في مواجهة العجز المالي ويمنحها نفوذا ديبلوماسيا في أوروبا . إلا أنه يمكن أن يؤثر سلبيا على علاقاتها مع حليفها التقليدي روسيا .
وبين الدول العربية الرابحة كمصدري النفط والغاز بمنطقة الخليج، لا ينطبق نفس الأمر لدول مصدرة للطاقة كالعراق، وذلك لضخامة عدد سكانها، وتأثرها السلبي بارتفاع أسعار الواردات الضخمة من المواد الغذائية.
كما أن هناك مؤشرات على أن الأزمة الحالية يمكن أن تؤدي إلى بعض التحالفات الجديدة، كما رأينا مع المناقشات حول تسعير النفط بين الصين والمملكة العربية السعودية دون الاعتماد على الدولار الأميركي، ولكن مثل هذه التغييرات واسعة النطاق تستغرق وقتا طويلا”.
وفي نهاية الأمر؛نتساءل هل سيظل الموقف العربي عاجزا عن تقديم أي ورقة تساهم في إيقاف هذه الحرب أو حتى تسوية سياسية ، أم فقط سيتوجب عليهم احتواء الحرب اقتصاديا من خلال ضمان استقرار أسواق النفط العالمي وإن على حساب شعوبها البائسة كخيار مر لا بد منه باعتبارها المرجع النفطي والخزينة المالية للشرق والغرب.