البشر يعيش في سلّة من الحماقات والنمطيات التصورية والإعتقادية , ولا يمكنه الخروج من هذه السلة , لأنه سيشعر بالخوف والقلق والرعب , فلكل مجموعة بشرية سلّة تقبع فيها , وتعطيها ما تشتهيه ويحلو لها من الأسماء والعناوين.
والسلة قد ترمز أو تصوّر الحياة في رحم الأم , أي أن البشرية لم تولد من أرحام أمهاتها , وإنما إنتقلت من رحم إلى رحم!!
بمعنى أن البشر يوضع في سلة رحمية حال ولادته , ويمضي مسيرته فيها , ولا قدرة لديه على الخروج من قبضتها النفسية والروحية والفكرية , وفي السلة تتحقق تفاعلات تؤمّن إستيعاب جميع المواليد.
وتتعدد السلال البشرية وتتنوع , وجميعها تحمل ذات المخلوق لكنه بنمطيات تفاعلية متقاطعة , وفقا لمحتويات السلة الإعتقادية والتصورية , وهذا يتسبب في تصارعات متواصلة , وتداعيات متعاقبة لا تسلم منها أي السلال , وإنما الذي يصيب سلة ما ينتقل إلى جميع السلال بدرجات وقدرات متفاوتة.
والسلة قد تكون وطنا , أمة , عقيدة , مدينة , قرية , فئة , أو أي حالة أخرى تمتلك مواصفات السلّة.
وهذا واضح في واقعنا المعاصر وفي حميع المجتمعات , حيث التحوّلات السريعة في السلال البشرية كافة , للخروج من قبضتها والتفاعل مع البشر على أنه إنسان وحسب , ولا يمكن الحكم عليه بما يتصل به ويتوطنه , بقدر ما يتوجب التركيز على إنسانيته ومعاني جوهره الإيجابي , والإستثمار في إعلاء قيمته وإحترامه , وتوفير الفرص للتعبير عن طاقاته الإبداعية الكامنة فيه.
وفي هذا التوجه الجديد الذي جاء به القرن الحادي والعشرين , تزعزعت العديد من السلال وأصابها إضطراب مصيري خطير , دفعها للإنغلاق والإندحار والإحتراب والإحتراق , وهذا واضح في العديد من المجتمعات التي تمَحنّت في سِلال وجودها العقيم , فراحت تتقاتل وتتمزق وتخيب.
ولا بد من وعي وإدراك آليات الخروج من السلّة , والسير في طرقات العصر ودروب الإنسانية , والمشاركة بإنارة العقول والقلوب والنفوس , بعيدا عن تأثيرات السلة , وظلاميات العلة المستوطنة فيها.
وهذا يستوجب إستحضار مفردات التعاصر والتواصل , والتحقيق الواعد لمعطيات الكوامن الذاتية والموضوعية , وإرشادها لتتحرك في الطريق الصحيح النافع للبشرية.
وتلك معضلة متنامية في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين!!