قد يظن قارئ التالي من السطور أنها درس في اللغة العربية، لكنني أعرج فيها على موضوع أراه يمس وحدة عراقنا وناسه الذين عاشوا على أرضه منذ بضعة آلاف من السنين، حيث أجدادنا في حضاراتهم الاولى.
يقول العلماء ان هناك على مر التاريخ أكثر من 4000 لغة تكلم بها سكان الأرض. منها لغات انقرضت ومنها مازالت حية. وكل منها لها أحرفها وطرق لفظها واشكالها التي تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا. وكما تفتخر الشعوب بحضارتها وبأرضها وثرواتها، يفتخرون أيضا بلغتهم ولهجتهم، ويعتبرونها رمزا لوجودهم وكيانهم، ويدافعون عنها ويثأرون لها ان تعرض لها غريب، أو شان بها قريب. لغتنا العربية، اللغة الام لجميع اللغات التي قال فيها الشاعر أحمد شوقي:
إن الذي ملأ اللغات محاسنا
جعل الجمالَ وسرَّه في الضاد
هي لغة لها ميزات عن باقي اللغات، فهي لغة القرآن الكريم التي اختارها الله -عز وجل- لينزل بها آخر كتبه. وكما قال الشاعر حافظ ابراهيم بلسان حال اللغة العربية:
وسـعتُ كتاب الله لفظا وغاية
وما ضقت عن آي به وعِظات
وتعد اللغة العربية الوحيدة التي مر عليها اكثر من الف عام من دون ان يطرأ عليها تغيير كبير. وهي اللغة الوحيدة التي يدخل الاعراب جميع كلماتها (فعل واسم وحرف). ومن اهم مزاياها هو ضبط كلماتها بالشكل من ضم وفتح وكسر، فكلمة علم – مثلاً – يمكن أن تقرأ على سبعة أوجه حسب تشكيلها ( عَلِم، عُلِم، عَلَّم، عُلِّم، عَلِّمْ، عِلْم، عَلَمْ) فلغتنا إذن كبستان فيه من الصنوف أطيبها.
اليوم في عراقنا المنطلق من مفاهيم الديمقراطية يظن البعض انه تحرر من أعراف وقيم هي في حقيقة الأمر تشكل كيانا أساسا لوجوده، وليست طقسا دخيلا على ماضيه او حاضره، اقتحم حياته ويريد التحرر منه. إذ أرى ان أشخاصا يشغلون مراكز قيادية في كردستان العراق، هذا الإقليم العراقي (أبا عن جد)، يصرون أن يقحموا مفردات باللغة الكردية الى لغتنا العربية، فيضمنونها في كتبهم الرسمية والمخاطبات المتداولة بين مؤسسات الإقليم ودوائر الحكومة المركزية.
فمعلوم أن اللغة الكردية تخلو من الحركات الإعرابية، وقد تم العوض عنها بما يقابلها من حروف أساسية، فالضمة يقابلها حرف الواو، والفتحة يقابلها حرف الهاء المدورة، وللكسرة حرف الياء، فكلمة كُرد تكتب عند الأكراد (كورد)، وكلمة عِراق تكتب (عيراق) واسم أحمد (ئه حمه د). وهم يكتبونها بطريقتهم هذه ولا حرج عليهم بهذا. لكن من غير اللائق أن يجبرون مؤسساتنا على الكتابة بقواعد اللغة الكردية، مادمنا نكتب عربيتنا بجمالها ورشاقتها. ومادام لدينا في لغتنا التشكيل والحركات، فلِمَ نكتب سواها. ولو شاء الظرف ان نكتب باللغة الكردية لكتبنا كما يكتبون، وكذلك الانگليزية والهندية وحتى.. الهيروغليفية.
هو نداء لكل من يشاركني وطني سواءٌ أعربيا كان أم كرديا أم تركمانيا أم أية قومية أخرى! فليكتب كل منا بما تعلمه في صغره، وليحترم كل منا لغة أخيه الأم، وهي كلها تصب في رحم الوطن الأم بعد أن خرجت من رحمه.