23 ديسمبر، 2024 12:35 ص

سلام الشعب.. مطلب شعب

سلام الشعب.. مطلب شعب

انهاء الحروب الاهلية التي انهكت الوطن لاكثر من ستة عقود (اندلعت قبل الاستقلال وتحديداً في 1955م) و انهاء النزاعات القبائلية و الجهوية كانت و لا تزال من صميم مطالب شعب السودان و في قلب شعارات ثورته التي اطاحت بحكم عصابة البشير و اعوانه (حرية، سلام، و عدالة)..
اليوم تقوم في السودان سلطة و إن كانت لا تمثل إرادة و قوة الشعب بنسبة كاملة إلا انها تمثلها بنسبة مقبولة، و ما تبقي تحرسه إرادة الشعب المتمثلة في إرادة شباب ثائر مهر التغيير بدمه و روحه و عرض لأجلها جسده للاصابات و الاعتقال..
هذه السلطة اعلنت ان السلام غاية اولي و بذلت و تبذل من الجهود ما يعتبر معقولاً في سبيل السلام حتي الان.
لكن يبدو ان تحقيق السلام بعد إسقاط حكم البشير و “اخوان الشياطين في السودان” ليس هدفاً سهلاً و لا غاية في المتناول، لماذا؟
الاجابة ايضاً ليست سهلة، اذ يبدو ان معظم القوي التي حملت السلاح لم تهيئ نفسها لسلام قريب لأنها لم تتوقع ان الشعب الثائر يمكن أن يسقط السلطة القائمة في وقت وجيز،
أو ان بعض تلك القوي و الحركات لا تثق في التغيير الذي حدث (في جذريته أو كفايته) و تتخوف من ان بقايا النظام أو ما يوصف ب”الدولة العميقة” قد تنجح في الانقلاب علي الوضع الثوري و تعيد نوعاً ما النظام البائد في وجهاً من وجوهه! هذا ان كنا متفائلين.
تلك المخاوف مشروعة و يمكن التعامل معها بشكل من الأشكال بأن تعطي الحركات وقتاً لتفهم ابعاد التغيير الذي هي طبيعة الحال جزء اصيل فيه و منه، و كأن يتم تبني نوع من الترتيبات الأمنية شبيه بما تبنته الدولة في اتفاقية السلام الشاملة سنة 2005م، بحيث تحتفظ بمقدراتها و مرونتها السياسية..الخ
لكن ما علينا التحسب له هو ان تلك القوي المسلحة ليست كلها علي ما كانت تبدو عليه قبل سقوط البشير! و ليست كلها قوي تحارب من اجل المواطن و لا تقاتل من اجل الحرية!
نعرف جيداً ان الخروج علي الانظمة بحمل السلاح يقتضي دعم و اسناد من قوي خارجية و من حكومات دول، تلك القوي و الحكومات لديها اجندة و استراتيجيات تريد تحقيقها من خلف دعم “حركات التحرير و المقاومة المسلحة” و لن تترك تلك الحركات تبرم اتفاقات سلام لا تستوعب و تضمن مصالح داعميها، و لكم في “جون قرنق” نموذج قريب عهد!
نعلم جيداً كذلك ان دول ك”تشاد” و “جنوب السودان” و “اريتريا” و “قطر” لديها علاقات بعدد من تلك الحركات، و بعض حكومات تلك الدول ليس من مصلحتها ان تبرم هذه الحركات المرتبطة بها اتفاقات سلام، كما ان السلام في السودان قد تعتبره بعض تلك الحكومات تهديداً حقيقياً لاستقرارها و استمرارها!
لكن بما ان السلام اضحي مطلب شعب فما من قوة في وسعها الوقوف في وجه إرادة شعب ثائر، شعب اطاح باحدي اخطر قوي الفوضي و الاستبداد في العصر الحديث، و انجز ثورة يعترف كل المراقبين بانها لا تقل عظمةً عن الثورة الفرنسية نفسها.. فقط علي الحركات التي تشعر بان قوي دولية أو اقليمية تريد ان تمارس تأثير ضار عليها ان تلوذ بشعبها و حينها تكون بمأمن من الاستغلال الضار و تستطيع ان تلعب دورها الثوري في بناء وطن “في حالة نقاهة” اذ خرج لتوه من اصابة لعينة بامراض الاستبداد و الدكتاتوريات العضال.