23 ديسمبر، 2024 2:10 ص

سلالات قلعة الموت… خوارج أم حشاشون؟

سلالات قلعة الموت… خوارج أم حشاشون؟

حتى الآن نتعامل ببساطة الصالحين (الزاهدين) مع القضايا والظواهر الأمنية الخطيرة التي تستهدف وجودنا الإنساني وحقوقنا البشرية السياسية والوجودية. لا نزال نحسن الظن بشركات قتل واغتيال واختراق بحجة بعض المظاهر الدينية والإسلامية أو تلك التي تخلع على أكتافها مسوح السلفية والجهادية والسلف والجهاد منهم براء. وهذه التنظيمات التي ترتبط أو تتفرخ عن تنظيم القاعدة ماهي إلا شركات أمنية في طبقاتها القيادية (العسكرية والمخابراتية والشرعية) تستغل حماس الشباب ومظالم الناس وشعارات الدين، وتزج بالشباب في محارق حروب الوكالة وتصفية الحسابات الضيقة (المافيوية) المأجورة. هذا ليس بدعًا من القول، بل مرَّ في التاريخ مثله وظهرت أمثال هذه الفرق مثل حركة الحشاشين أتباع الحسن بن الصباح.
في العام 487هـ/1094م توفي (الخليفة) الفاطمي المستنصر، فانقسم الإسماعيليون بوفاتِه إلى جماعتين متنافستين، النزارية نسبة لنزار الابن الأكبر للمستنصر، والمستعلية نسبة للمستعلي الابن الأصغر، ووقف الوزراء مع الابن الأصغر وثبتوا له السلطة، وهذا أثار غضب الحسن بن الصباح الذي هاجر لإيران وبدأ يدعوا لنزار بن المستنصر، ونشر العقيدة الإسماعيلية في بلاد إيران وأسس ما يُسمى فرقة الحشاشين الباطنية.
وكان هؤلاء الحشاشون يحترفون القتل بكل فنونه، وحوادث الاغتيال، وكانت أكبر عملية اغتيال قاموا بها ضد الوزير المصلح أحد أفضل الوزراء في تاريخ الإسلام والمعروف بتأسيسه للمدارس النظامية وحبه للعلم والمعرفة والإصلاح السياسي، وكذلك اغتيال الأمير مودود الموصلي، والأمير المجاهد آق سنقر البرسقي أمير الموصل واغتيال الأمير المجاهد عماد زنكي رائد الجهاد الإسلامي ضدَّ الوجود الصليبي بالشام، وكان هؤلاء الحشاشون يتظاهرون بالمسكنة والتسول تارةً وبالتصوف تارةً أخرى حتى يصلوا لمبتغاهم في قتل خصومهم. واليوم ابتلي الربيع العربي بهذه الجماعات المغالية والشركات الأمنية المنظمة مثل جماعة الجولاني والبغدادي، المتظاهرين بالسلفية والجهاد ليُغرروا بالشباب المسلم ويدفعوهم لقتل خصومهم بحجة التكفير أو التخوين أو العمالة.
لقد كان أسلافهم من جماعة ابن الصباح فدائيين لا ينظرون للعواقب وكل ذلك يفعلونه تقربًا من الله حسب وعود (الامام) الحسن بن الصباح لهم في الجنة، وهذا ما يفعله جماعة الجولاني والبغدادي اليوم فلا تستغرب إن وجدت منهم الشجاع والفدائي والذي ترك الدنيا وراءه، هذا كله يمكن أن يحدث في حال أدلجة الألياف الدماغية على أن هناك سعادة أكبر وأعظم من السعادة التي يعيشونها، وليست المشكلة في أصل الفكر فما عند الله أبقى ولكن المصيبة في توجيه البندقية.
وكان جنود ابن الصباح يُكثرون الاغتيال أيام المواقف العصيبة التي تمر بها الأمة لتحطيم القدوات وقتل الرموز وذلك لإدخال المجتمعات في الفوضى، واليوم فِرق الاغتيال نراها كيف طالت خيرة العلماء والمجاهدين في المقاومة العراقية والثورة السورية، حتى لا يبقى للناس رمز ولا علم ولا ملاذ إلا المسودة.
وكانت جماعة الحشاشين لا تُؤمن بحيز جغرافي، ويعتبرون أن دولتهم حيث تصل خناجرهم، ولذلك لم يكن همهم أمر العامة وخدمتهم وأمنهم بل كانوا يتعيشون على الجهل والظلم من أجل حشد الأتباع، وهذا حال المسودة اليوم، فمنذ نشوء تنظيم القاعدة وفراخه إلى اليوم لا يهمهم المسجد ولا المعهد ولا المتحف ولا المشفى ولا الخدمة للناس بل يهمهم فرق القتال والاغتيال وولاء العناصر وأهاليهم فقط من أجل إقامة قصبات التوحش، وهم على استعداد كامل لأن يتركوا أي مكان يقاتلوا فيه بكل سهولة منطلقين لمكان آخر لأنه حسب زعمهم العقيدة هي الوطن وبالتالي فوطنهم يحملونهم معهم أينما ذهبوا… فكم أباحت هذه النظرية بلاد المسلين أمام الغزاة وليست حال أفغانستان والشيشان عنا بغائبة.
وما تزال هذه الحركات تغتال رموز الأمة وقادة الثورات، وتعمد بتنفيذ مشاريعها على حرمان الشعوب من الحرية والنهضة وإبقائها تحت رحمة الأنظمة الاستبدادي، فكانت أشبه ما تكون بالعصا الغليظة، ولكن على رأس الأمة وبالخنجر المسموم في ظهر الشعب.