18 ديسمبر، 2024 7:09 م

مما يُنسب للإمام علي (ع) قوله:
وزِن الكلام إذا نطقت ولاتكن
ثرثارة في كل نادٍ تخطب
وقد قيل: خلق الله للإنسان لساناً واحداً، وأذنين لكي يسمع أكثر مما يتكلم.
ونصح أب ابنه في فضل الصمت عن التقول ببعض الكلام: يا بني، إذا افتخر الناس بحسن كلامھم، فافتخر أنت بحسن صمتك.
واللسان هو قطعة لحم لايتجاوز وزنها بضع مئات من الغرامات، وماقاله الرائحون والغادون عن اللسان، ما كان إلا باستخدام ألسنتهم أيضا، فصار اللسان هو المقصود والغاية، وهو الأداة والوسيلة، في آن واحد وآنية واحدة. وليت الذين قالوا فيه وعنه وبه، وضعوا له قدرا يليق بدوره في حياتنا، هذا قطعا إذا علمنا أن القول لا نفع فيه، ولا فائدة ترجى منه إلا بالفعل، وإلا باتت وظيفة اللسان اللغو الفارغ واللغط الأجوف والثرثرة السمجة.
إذ نرى كثيرين بين ظهرانينا لاتتفوه ألسنتهم، إلا برديء الكلام ورخيصه وبما لاجدوى منه، ومن المؤكد أن أول من يحاسب على قطعة اللحم هذه، هم المتقولون الذين هم عن مصاديق القول ناؤون، ولاسيما المسؤولين منهم، والذين سيُسألون يوما عما نطقت به ألسنتهم، وما يترتب على مايقولونه في تصريحاتهم، من التزامات تجاه رعيتهم فكلهم راعون، وليت المسؤولين في بلدنا استمعوا الى الأبيات:
وإذا وُليتَ أمر قوم ليلة
فاعلم بأنك عنهمُ مسؤول
وإذا حملتَ الى القبور جنازة
فاعلم بأنك بعدها محمول
ما ذكرني باللسان وما يأتي به، هو كثرة استخداماته اللامجدية واللامنطقية، من قبل بعض متبوئي مراكز القيادة والتحكم وصنع القرار وتنفيذه في بلدنا، وهم كما قيل: (عدد النجم والحصى والتراب). إذ نراهم كل حين يطلّون على واجهات الأحداث بتتالٍ لايتوقف، وتوالٍ لايفترّ، وتعاقب لاينقطع، وهم يملأون ساحات البلد وعلى وجه الخصوص السياسية بكل أبعادها، فمنهم منظور فيها، ومنهم غير منظور، ومنهم خلف الكواليس، ومنهم أمامها، وليت الأخيرين كانوا مع الأولين، كي لا يعكسوا صورة مشوهة عن معيتهم، ومنهم من يستمعون القول ولا يتبعون أحسنه، بل لا ينطقون إلا أسوأه، كذلك منهم من ينطبق عليه المثل: (إذا حضر لا يُعد وإن غاب لا يُفتقد) ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وقطعا جميعهم مابدلوا تبديلا إلا للأردأ والأسوأ. وبين هذا وذاك، يتقلب العراقيون على صفيح ساخن، من الحرمان وضنك العيش وترديات الأحوال، وكيف لا! ورقابهم تحت سلاح اللسان، وإن استقر بهم القرار، فإنه يستقر تحت خط السلام والأمان، علاوة على نأيه عن خطوط الرفاهية والتقدم، كما هو حال باقي الأمم والبلدان.
ما يؤسف له، أن اللسان أضحى أداة لمن هب ودب، من الذين أتوا على بساط المحاصصة، تدفعهم رياح بعض الجهات لتهبط -والأحرى تجثم- على ثروات العراق في مؤسساته، كمضخة ماصة شافطة لافطة. وبعلم ودون علم، يطوّعون ألسنتهم للأقاويل، ويسخّرونها كمطية لحمل أثقالهم بمفردات تنأى عن الثقافة والكياسة، فتستحيل إذاك تصريحاتهم وخطبهم الى تنهيدات ثمل أضاع ثمالة كأسه، أو هلوسة مرعوب من أضغاث كوابيس، يلقون بظلالها الثقيلة على المواطن المسكين، والأخير لا حول له ولا قوة إلا بالصبر والتجمل، بأبوذية شاعرنا المرحوم سعد محمد الحسن البهادلي:
إليّ بالمعالي كان ماكان
وعلي هسه يتكعبن كان ماكان
بطران ويسولف كان ماكان
ولك ياكان والكانون بيه
[email protected]