أي قوة بلا عقيدة تفقد قدرتها وتنهار بسرعة , هذا ما تثبته الأحداث الحالية والسابقة , والمثال الواضح أن المسلمين أنجزوا فتوحاتهم بعقيدتهم , فانتصروا على جيوش وقوى أكثر قوة وعدة منهم , وفي الزمن المعاصر شهدنا إنهيارات لجيوش عديدة وبسرعة خاطفة , وذلك لأنها كارتونية فارغة لا تمتلك عقيدة تقاتل تحت لوائها.
وآخر هذه الإنهيارات الدراماتيكية السريعة ما جرى للجيش الأفغاني المجهز بأحدث العدد ومدرب بأسلوب متطور , والعلة في هذه الإنهيارات هو غياب العقيدة القتالية التي تجمع الجيش , وتحثه على التفاعل والثبات والإقدام والإيمان بما يقوم به.
البعض يرى إن فيما جرى سلوك وطني , بمعنى أن الجيش لا يقاتل مواطنيه مهما كانت إنتماءاتهم ومسمياتهم , وهذا تعبير عن عقيدة وطنية , فهو لا يدافع عن حكومة إستشرى فيها الفساد , وإنما عن وطن , ومن الوطنية , أن لا يكون الجيش طرفا في حرب داخلية لا نهاية لها , في مجتمع قبلي ثأري لا ينسى , فكان من الحكمة والوطنية عدم المواجهة.
وربما توهمت القوة المهيمنة , على الأوضاع في تلك البلاد أنها قد نجحت في إعداد البنية التحتية لحرب أهلية طويلة الأمد , ففاجأها الجيش بأنه لن يكون ساذجا إلى هذا الحد , ليدخل في متاهات دموية مروعة.
لكن وسائل الإعلام والمحللين يركزون على أسباب قد تبدو نظرية أو غير موضوعية , ويأتي في مقدمتها العقيدة القتالية , فهل يمكن بناء جيش تحت عقيدة قتال أبناء الوطن بعد توصيفهم بما يسوّغ قتلهم.
التأريخ بأحداثه لا يؤيد ذلك , ولا توجد أدلة إلا للذين خانوا وتعاونوا مع القوى المُستهدفة لبلادهم , أما أبناء الوطن مهما حاولت القوى القابضة على مصير البلاد أن تؤهلهم ليكونوا ضد أبناء وطنهم , فأن جهودها تنتهي بالفشل.
وفي بعض البلدان تحقق إذكاء الحروب الطائفية وتمرير لعبة الحرب الأهلية , وذلك وفقا لآليات صار الدين يلعب دورا كبيرا فيها , وتم إلغاء الهوية الوطنية ومعنى الوطنية والمواطنة , وتنصيب حكومات تابعة للطامعين بالبلاد والعباد , وتحقيق السعي لتنفيذ المشاريع المطلوبة , وبمعاونة قوى إقليمية ذات تطلعات عقائدية.
بل أن تلك المجتمعات تحت إحتلالات متكافلة , كل منها يحقق مصالح الآخر , وإن بدت في الإعلام وكأنها في عداء وخصام دائم , كما أن آليات الإحتلال المتبادل لعبت دورها في صناعة مشاهد اللاوطنية المتكررة.
أما ما نراه في غيرها فالروح الوطنية واضحة , وتؤكدها التفاعلات الخالية من السلوك العدواني المشين.