23 ديسمبر، 2024 5:11 ص

سلاح الدولة المنهوب بات هو المهيوب

سلاح الدولة المنهوب بات هو المهيوب

منذ الأمس ووكالات الأنباء تتداول أخبار المعركة بين عشيرتين متحاربتين في منطقة الهارثة شمال البصرة، وان الاسلحة المستعملة كانت ثقيلة ومتوسطة ، ومنها تبادل اطلاق الصواريخ بين العشيرتين ، ورجعت بذاكرتي الى عشرة شهور خلت كيف قامت قيادة عمليات البصرة بالتحري عن السلاح ونزعه ، وكيف يسير هذا البلد وشعبه مسلح ، وقبل يومين كتبنا ان دولة العراق امام تسلح العشائر والافراد تكون هي منقوصة السيادة ومنزوعة السلاح ، واليوم يتأكد القارئ الكريم ان مناداتنا منذ عشرة اعوام بأصدار قانون يحرم حيازة المواطن اي نوع من السلاح ولاي سبب كان ، ونحن نعلم ان المواطن للاوضاع الراهنة وبسبب ضعف الحكومات امام الاشخاص يخشى من الظروف هذه على حياته وحياة عائلته ، وهنا تبرز الحقيقة الازلية ان الدول القوية هي تلك الدول التي تمسك بزمام الامن بيد من حديد وبقوة القانون ، وتضعف فيها قوة العشيرة والعائلة والفرد ، وان العراقيين منذ تأسيس دولتهم عام 1921كانوا خاضعين لسلطة الدولة وقوانينها مهما اختلفت الانظمة والحكومات ، وكان الامن شائعا رغم الثورات والانتفاضات والانقلابات العسكرية ، لان غياب السلطة لم يكن ليعني غياب الدولة ، بل كانت على الدوام الدولة قائمة وتنفذ اامؤسسات الامنية واجباتها بغض النظر عن اي حالة طوارئ، ولكن ما حصل بعد عام 2003 وحل الاجهزة الامنية من قبل الحاكم المدني ، ان توجهت العناصر المسيئة وبعض الاشخاص وبعض العشائر نحو معسكرات الجيش واستولت على موجوداتها من اسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة وبتشجيع من المحتل ، وحتى المحتل نفسه قام بأتلاف الكثير من اسلحة الجيش وقوى الامن الداخلي وقد بلغ بالمحتل اتلاف الطائرات الحربية الروسية ، وبهذه العملية يكون المواطن العراقي الى جانب المحتل قد ساهم بتدمير بلده وفتح الباب على مصراعيه للاختلال الامني ، وحول بعض شيوخ العشائر دواوينهم إلى مخازن للسلاح يحارب به العشائر الاخرى ، كما وساهم بعض تجار الأسلحة إلى بيع ممتلكات دولته من السلاح لجهات معادية للعراق وشعبه ، كل هذه المقدمات وعلى وفق القاعدة التي تقول السلاح القريب يغري القاتل .تقوم اليوم العصابات وفي مختلف مدن العراق بالتعديات المستمرة المتلاحقة على أجهزة الدولة وممتلكاتها او المواطنين وممتلكاتهم ، او يقوم الأفراد بالتعدي على موظفي الدولة من الأطباء والمدرسين ومدراء البلديات وغيرهم من الموظفين اللذين يحاولون القيام بواجباتهم الوظيفية ، كل هذا والسلطة تقف عاجزة عن الدفاع عن الدولة وممتلكاتها او المواطن وممتلكاته وأمنه وذلك للأسباب التالية ،
1…لم يعد الموظف الحكومي يشعر وهو يؤدي واجبه بأنه يستند إلى سلطة تنفذ القانون بالتساوي بين الناس،
2…لم يعد الموظف الحكومي يعتقد أن سلطة الدولة قوية تقف وراءه وهو ينفذ القانون.
3…ان الموظف الحكومي هو نفسه بات غير ملتزم حتى بالتعليمات والقوانين التي تهم وظيفته .
4…التدخل الشخصي لهذا السياسي او ذاك النائب في شؤون الدولة تجاوزا على القوانين .
5…الفساد الذي استشرى وللاسف في كافة المرافق الحكومية ومنها الامنية بالذات بات يحول دون تطبيق القوانين ، ويجعل الدولة عاجزة حتى عن الأمور الأمنية البسيطة.
6… ان المجتمع ذاته بات يقبل ما كان محرما او عيبا، وان اختلال منظومة القييم هي اختلالات داخلية مصدرها السكوت على السيئ او عدم ملاحقة المسيئ ، او حتى تشجيع الاب والام الابناء على التجاوز ، وعدم اكتراقهم بعدم انضباط اؤلئك الأبناء..
7…لم يعد القضاء العراقي بمستوى قضاء الامس، لأسباب عديدة ، منها سلطة السياسي التي تعلو سلطة القاضي بالقوة الغاشمة، او باتت سلطة رئيس العشيرة تقوق سلطة مدير شرطة المحافظة ، او ان القاضي لا يحكم بالعدل ووفقا للقانون ولاسباب معروفة ، هذه العوامل اضافة إلى تدني مستوى التعليم والتربية تكون دوما وراء تشجيع ارتكاب المخالفات والجرائم .
8…شيوع العادات الريفية والعشائرية بل وحتى البدوية وخاصة الرديئة منها والقائلة بانصر اخاك ظالما او مظلوما ، وهذه المقولة تشجع المسيئ للاتيان بأساءته، وتدفع بضياع حق المعتدى عليه وتساعد المجرم على الافلات من العقاب . واليوم نجد الفصول قد ابعدت القوانين والاصول ، وصارت هذه الفصول مدعاتا للقرف بسبب فقدان المجتمع لاؤلى وسائل حمايته.إلا وهي قوة القانون.
ان معالجة ما سببته الحروب من ظواهر ومظاهر مرفوضة وأهمها حيازة السلاح ، إنما يراد بها العودة بمجتمعنا إلى ماضيه العتيد المشييد على مجموعة القييم والمبادى ، وكذلك تفعيل دور القانون عن طريق اصدار قانون خاص يقييد كل عام يدعو بشدة الى نزع السلاح من كافة شرائح المجتمع دون استثناء او تمييز ، بل وحتى التوقف عن منح اجازة حيازة السلاح في المرحلة الراهنة ، وجعل الدولة وأجهزتها الأمنية هي المالك الوحيد للسلاح ، ولنا في الحشد الشعبي خير مثال لوحدة سلاح الدولة والشعب، والتوقف حالا عن القبول بالحمايات الخاصة والتوجه صوب الحماية المهنية لأجهزة الدولة للأفراد والممتلكات ، والتشديد على وزارة العدل للاتيان بوتائر جديدة لعمل أجهزة القضاء وتنظيفه من بعض الفاسدين ، وعلى العشائر وشيوخها المحترمين تسليم أسلحتهم للدولة والدفع بعدم تشجيع المعتدي من ابناء هذه العشائر، وعلى رجال الدين أخذ دورهم في الهام الناس وافهامهم ان الإسلام هو دين السلام وان المسلم في معناه الحقيقي هو من سلم الناس من يده ولسانه ، والعراق غالبيته من المسلمين ، والإسلام اليوم في امتحان صعب بين الإرهاب المقيت القادم من الخارج والإرهاب العنيد الناشئ من الداخل…..