22 نوفمبر، 2024 11:57 م
Search
Close this search box.

سكرة الكراسي!!

سكرة الموت: غمرته وشدته.
سكرة الكرسي كسكرة الموت ولا فرق بينهما في مجتمعاتنا , فالجالس على الكرسي لا يفصله عنه غير الموت , فما أن يجلس الشخص على الكرسي حتى يلتصق به ويحوّله إلى تابوت ينتهي فيه.

وسكرة الكرسي تتمثل بما يأتي به من مغريات ومراسيم واهيات تجعل الشخص يتوهم بأنه ليس من البشر , وهذه تساهم بإطلاق نوازع النفس الأمّارة بالسوء والبغضاء , وتبلد الرأس وتعمي البصيرة , وتجعل الشخص مأسورا بالتصورات الهذيانية والتفاعلات العدوانية مع الآخرين من حوله , فيتعفن في مكانه وتأكله آفات الأيام وهو كالمنوّم المخمور بالبهتان.

وهذه السكرة تفسر مآلات أصحاب الكراسي من ذوي السلطان , ونهاياتهم المهينة المخزية الممعنة بالخسران.

كما أن المغريات تحبب لهم الظهور بما لا يتفق وحقيقتهم وما فيهم من الوهن والسذاجة وعدم القدرة على إدراك المقام والمآل , فيتناسون أن كل مَن جلس على كرسي مصيره إلى زوال.

ومن الواضح أن العديد من أصحاب الكراسي التي تمنحهم النفوذ والسلطان في بعض المجتمعات قد أمعنوا بالفردية والطغيان والإستبداد , حتى إنقلب الكرسي وبالا عليهم , ويمكن الإتيان بأمثلة عديدة ومتوالية , فاللاحق منهم لا يتعظ من السابق , فتدور الدوائر عليهم كالناعور.

وهذه العاهة السلوكية متوارثة في مجتمعاتنا وتأكدت بوضوح بعد إنطلاقها بالحكم في دول وإمبراطوريات عبر المسيرة الطويلة المحتشدة بويلات الكراسي ومآلاتها الموجعة , ولا تزال مجتمعاتنا غير قادرة على حسم علاقة الحكم بالكرسي , كما فعلت مجتمعات الدنيا الأخرى.

فالمسافة ما بين الكرسي لخدمة الناس , والكرسي لظلم الناس شاسعة جدا , وقل الكرسي الخادم وتكاثرت الكراسي الظالمة , التي يستلطف جورها الناس.

فأصبح الكرسي الخادم ضعيفا ومنبوذا والكرسي الظالم محببا مرغوبا , في مجتمعات تنخر جوهر ما فيها أرضة الغابرات.

فهل لنا أن نفيق من سكرة الكرسي؟!!

أحدث المقالات