في جدولة للنجاحات التي يحققها العراقيون في بلدهم، نلمس أن تعدادها لايقف عند رقم او ينقطع في صعيد، فالنجاحات المتحققة في وادي الرافدين تمتد في عمق التأريخ الى حيث بدايات حضارته، يوم لم تكن حضارات على أرض المعمورة، أما الأصعدة التي تتبلور فيها هذه النجاحات فإن القائم بها أولا وأخيرا هو الإنسان. فلو حسبنا أحداث الموصل في حزيران 2014 نكوصا وفشلا في جوانب وناوحٍ عدة، فإن تتالي تحرير المدن التي سلبت وآخرها الفلوجة، يعد نجاحا يسجله العراقيون، بل هو تفوق باهر على الصعيد الأمني. ولن يتوقف القلم عن تسطير التفوقات، فالعد يطول في الأصعدة الباقية سواء داخل العراق أم خارجه!.
ولو أعددنا قائمة الصدارات التي تبوأها العراق بين الأمم لجفت أقلامنا عن تعدادها. وليس ببعيد عنا فوز بغداد كعاصمة للثقافة، إذ لم يكن غريبا فوزها من بين العواصم العربية في الثقافة، ولِمَ لا وهي حاضرة الدنيا التي تغنى بها الشعراء منذ القدم، وكتب عنها السواح والزوار والقاصدون اليها من فيافي الأرض؛ مشرقها ومغربها. وصدارتها ليست في الثقافة فحسب، فمن تصفح تاريخها كشف تصدرها باقي مرافئ الحياة من علوم وفنون، ولعلمائها قصب السبق في ابتكارات واختراعات وجدت صداها في دول الغرب فتلقفوها لتكون نهجا انتهجوه ودروسا للأجيال، فكانت أساس صناعات حديثة وتكنولوجيا متطورة ناطحوا بها السحاب.
ولكن غصة تبقى عالقة على منصات أفراحنا، أراها تأكل من جرف سعادتنا، فمدن العراق ولاسيما بغداد لاقت الويلات تلو الويلات من تدخلات حكام من خارج حدودها، ناهيك عن ضعف إدارة وقلة حنكة وسوء تدبير، من حكام بداخلها توالوا على حكمها فعاثوا فيها فسادا وخلفوا دمارا وخرابا. ولعل تكرار تدهورها له مرارة تلذع ذائقة كل عراقي شريف، إذ يذكرنا التاريخ بعبارة (سقوط بغداد) أكثر من مرة في تأريخها، حيث سقطت في يوم الأحد 4 صفر 656 هجرية الموافق 10 فبراير 1258 ميلادية علي يد هولاكو. وفي عام 1831 سقطت بأيدي الجيش العثماني بعد مايقارب 82 عاما من سيطرة المماليك لها. وفي يوم الأحد 11 مارس 1917, سقطت بعد سلسلة من الانتصارات في يد الجيش البريطاني خلال القتال مع الاتراك العثمانيين في الحرب العالمية الأولى. وأخيرا وليته يكون الآخر، كان سقوطها يوم الأربعاء 9 أبريل 2003 بعد أن تمكنت القوات الأمريكية من التقدم فيها. وإنه لمن المؤلم حقا بعد أن كان الشاعر علي الجارم يقول فيها:
بغداد يابلد الرشيد
ومنارة المجد التليد
يابسمة لما تزل
زهراء في ثغر الخلود
باتت يقول فيها شاعر آخر:
بــغدادُ يـا بــغدادُ يــا بلـد الـرشيد
ذبحوك يا أخـتـاه مـن حبل الوريد
جـعلوكِ يــا أخـتـاه أرخـص سـلعة
باعوكِ يا بـغدادُ فـي سوق العبيد
زهــدوا بـدجـلةَ والـفرات وعـرضهم
باعوك فـي الحاناتِ بالثمن الزهيد
وعـــدوا بـتـحـرير الــعـراق وأهـلــه
وعدوك يا بغـداد بـالعيش الرغيد
ويـــــلٌ لـبـغــــداد العراق وأهـلهـا
فهولاكو في بغداد يولد من جديد
أوليس حريا ببغداد أن تثأر لماضيها ومجدها وتنهض من جديد؟ أما آن لها ان تزهو بحلة جديدة وتستبدل عبارة السقوط المريرة، بعبارات تفعم بالحيوية والتقدم والتحضر والازدهار، وهي أهل لذلك؟.
[email protected]