ثمة اتهامات توجّه الى القضاة والمحاكم من قبل البعض، ونجد ان هناك فرقاً بين من يوجهها عن جهل بالقانون ومن يوجه اتهاماته بقصد التدليس واخفاء الحقيقة في محاولة للتاثير على الراي العام وتعبته سلبياً باتجاه سلطة مهمة كالسلطة القضائية الاتحادية.
ما يلفت أنتباهي خلال المدة الماضية تحوّل بعض الكتاب والصحفيين إلى تفسير المواد الدستورية والقانونية واطلاق الاحكام المستعجلة من دون اللجوء إلى المختصين وفي هذا تأثير سلبي على فهم طبيعة سيّر العدالة في العراق من قبل المتلقي.
فأن كان الامر متعلقاً بحسن النوايا فلا ضيّر فيه وتكون معالجته بالايضاح والتنبيه عبر الاعلام ومختلف الوسائل من بينها التواصل الاجتماعي، لكن المخاوف تأتي في حال وجود حملة ممنهجة ضد مؤسسة بعينها بحجة أنها تطال اشخاصاً يتولون قيادتها اليوم، وفي الغد سوف يتسلم غيرهم هذه المهمة.
برغم مرور أكثر من عامين على احتلال تنظيم (داعش) الارهابي لمدينة الموصل، لا يزال البعض يتهم القضاء بعدم محاسبته المتورطين في هذه الحادثة.
الادّعاء العام العراقي اجاب على هذا السؤال بعد نحو شهرين من سقوط المدينة، وكرّره لعشرات المرات في مؤتمرات صحفية ومناسبات عدة.
لكن هناك من يتهم ماكنات اعلامية بمحاولة التلاعب بمشاعر المواطنين، ويزعم بأن الهجمة تصاعدت بالتزامن مع وصول قواتنا البطلة على مشارف المدينة وكأن البعض لا يريد لمؤسسات الدولة النجاح في اتمام هذه المهمة.
لكنّي سأفترض حسن نيّة من يطلق هذا التساؤل، وأعيد ذات الجواب، في أن سقوط الموصل جريمة تتعلق بانسحاب المراتب والقطعات العسكرية والامنية، وأن المشرّع حسم الجدل على هذا الملف بأنه من الجرائم العسكرية.
وهذا خيار لم يضعه القضاء الاعتيادي، بل تطرق إليه قانوني العقوبات والادعاء العام العسكريان، بأن يقف المتهمون في الجرائم ذات الصبغة العسكرية امام محاكم عسكرية نصّ الدستور على تشكيلها.
إذن القضاء الاعتيادي غير معني في هذا النوع من الجرائم، واذا ما اراد البعض أن يتم نظر حادثة سقوط الموصل من محاكم التابعة للسلطة القضائية الاتحادية فعليه الذهاب إلى مجلس النوّاب لاجراء تعديل في التشريعات ذات العلاقة وكذلك نصوص الدستور.
ومتى ما سمح المشرّع للمحاكم النظر في الجرائم العسكرية حينها يوجه اللوم إلى السلطة القضائية الاتحادية في عدم اتخاذها الاجراءات بصدد الواقعة ومحاسبة المتورطين فيها.
ومع ذلك، فأن جهاز الادعاء العام يتابع اجراءات المحاكم العسكرية وقوى الامن الداخلي المسؤولة عن التحقيق في الملف وتبين له احالة المئات من الضباط الميدانيين التابعين للجيش والشرطة وبعضهم برتبة فريق إلى تلك المحاكم ليتم محاسبتهم.
وبالتالي تأتي الدعوة للاعلاميين والكتاب في متابعة هذا الملف من خلال اللجوء إلى وزارتي الداخلية والدفاع لمعرفة نتائج التحقيقات وادانة المتورطين فيها، كونه خارج اختصاص وصلاحيات القضاء الاعتيادي.