في عام ١٩٩٢ کتب المفكر السياسي فرانسيس فوكوياما عن “نهاية التاريخ” مبشّراﹰ بهیمنة النيوليبرالية بمعنی إنتصار الحضارة الغربية والديمقراطية الليبرالية ونهاية عصر الأيديولوجيا وبزوغ عصر ما بعد العقائد السياسية والدينية، لکن الظهور الجديد لأصحاب فكرة اليوتوبيا والمجتمعات المثالية والعقائد الجامدة علی المسرح الكوني و الإحتجاجات المستمرة في العراق و دول أخری ضد الأزمات سواء کانت إقتصادية کالإنهيار المالي و سقوط العملة المحلية في غير مکان أمام الدولار الأمريكي، أو غيرها کفشل النظام النيوليبرالي الأمريكي في دمقرطة العراق، الذي هو موضوع مقالنا هذا، يدفعنا الی التساؤل، هل التاريخ يسير الی الآن على عكس توقعات فوكوياما؟
نحن نعلم بأن الديمقراطية الغربية متميزة بظواهر تجعلها تكسب الصراع، منها التوازن الإعتقادي الناصع بين الحرية والمساواة و الحضور المتميز للديمقراطية الجذرية في الكثير من دولها، لکن الديمقراطية الفاشلة في عراق مابعد عام ٢٠٠٣ تقترن الی حد كبير بمؤشرات خطيرة و بائسة تدلّ علی أن هذا البلد ذاهب الی السقوط في شراك التطرف والعنف الفكري والاجتماعي والسياسي، خاصة بعد أن فقد الشعب ثقته بها وبعد أن إنهال علیها المتطرفون وأصحاب الأجندات الخارجية من جميع الجوانب بالضربات المبرحة.
إن سطوة القطاع الإستهلاكي المستورد في العراق ولّد فساداﹰ متعدد الأبعاد و أدی الی خسائر مالية كبيرة و شلّل الإقتصاد الإنتاجي بقطاعيه العام والخاص و کان أيضاﹰ سبباﹰ في ضعف الاستثمار المستدام وإيقاف المعامل والمصانع في القطاعين العام والخاص. أما إنتشار وباء كورونا (کوفید ١٩) فقد أضاف علی مشكلة الاقتصاد العراقي الريعي غير المنتظم والمعتمد علی الإستيرادات لتلبية الإستهلاك مشاكل أخری، أدی الی إرتفاع الأسعار و ونقص التمويل الحكومي لدعم رواتب موظفي الدولة والقطاع الخاص.
وبعد إطاحة إستقلالية البنك المركزي العراقي بالکامل صار العملة العراقية عاجزة عن الصمود أمام الدولار، وقد تخسر هذه العملة في العام ٢٠٢١ قيمتها أكثر وأكثر وقد يكون هذا الموضوع مرتبط بالوقت فقط.
نحن لانعرف لماذا لم تقم حکومة السيد مصطفی الكاظمي في بداية مشوارها الحکومي بتعديل سعر الصرف ولماذا قامت بدل ذلك بإستنزاف الإحتياطي النقدي؟
إن حقن الإقتصاد العراقي بالإبر ومسألة القروض الداخلية والخارجية لايمكن أن تکون حل مستديم للأزمة الإقتصادية والمالية، فمن الممكن أن تؤدي تلك القروض في المستقبل الی إنهماك و هلاك هذا الإقتصاد الريعي.
لقد صار الفساد في العراق جزء من بنية النظام السياسي وفقدت الديمقراطية في العراق كما ذکرنا أعلاه ثقة الشعب العراقي، بعد أن ذهب ضحية الولاءات الخارجية والطبقة السياسية الشيعية الحاکـمة والساعية الی تحقيق مصالح الجهات الخارجية الداعمة لها فقد أستغلت مرة أخری کل هذه الأزمات لفرض رؤيتها من جديد بهدف تقاسم النفوذ و قتل الوعي الإحتجاجي أو السيطرة علیه بشكل کامل، وهذا يؤدي الی دفع العراق بشكل سريع نحو السقوط في شراك التطرف والعنف الفكري والاجتماعي والسياسي.
لقد أصبح الطوفان في العراق مسألة وقت، فنحن لانری حلول للوضع الحالي في العراق، مادام الطبقة السياسية الشيعية الحاکـمة في بغداد تُقاتل في سبيل إدامة وجودها في السلطة وهي وللأسف في أهب الإستعداد لإستخدام العنف المفرط.
ختاماﹰ: إن قيادات أحزاب السلطة الشيعية في بغداد مأزومة بوعيها المذهبي والطائفي وهي غير مؤمنة أصلاﹰ بالديمقراطية وبالممارسات والسلوكيات الديمقراطية، فكيف يمکن أن ننتظر منها تصحيح مسار بناء النظام السياسي؟