الخطاب الاعلامي الرسمي العراقي، ومن يتخندق معه من القنوات الاعلامية ،مازال مستمراً على عهده، محافظا بذلك على تقاليده ، في القفز على الحقائق ،فلايسمي الاشياء بأسمائها الصريحة . .لتصبح الهزيمة لديه انتصارا ً، والقسوة عدالة ، والمُعارض ارهابياً .. وهو بذلك يصر على سياسية اعلامية قائمة على مبدأ الكذب . ليصل الحال به ، الى الحد الذي لايشير بالأسم الصريح إلى ايّة قوة معارضة له تعلن العصيان والثورة المسلحة ضد النظام الذي يخدمه ! . ومما يزيد الطين بِلة في هذا الأمر،أنْ يُطلِق النظام وإعلامه اسماءً اخرى غير اسمائها،انطلاقا من خوفه وخشيته منها،وتحاشيا منه حتى لايكون اعلان اسمها الصريح دعاية وترويجا لدورها. ماجرى في الموصل في يوم 10 / 6 /2014 من هزيمة مخزية وانهيار سريع ومخجل لسلطة الدولة العراقية مع كامل اجهزتها الامنية،يحمل الكثير من الحقائق،تم التستر عليها وتكذيبها،من قبل النظام القائم،بنفس الاسلوب والاليات التي اعتادت ان تمارسها الانظمة الشمولية،في محاولة منها لخداع عموم الناس،إضافة إلى قواعدها الجماهيرية،التي تستند عليها في وجودها واستمرار وقوتها،متجاهلة بذلك عوامل الضغط والانفجار الشعبي التي تتراكم يوما بعد آخر،مع تراكم الاخطاء،واستمرار سياسة دفن الرأس في الرمال .
سقوط النظام والسلطة الحكومية في الموصل يعيد إلى الاذهان احداثا مشابهة شهدتها العديد من دول المعسكر الاشتراكي وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي السابق في مطلع تسعينات القرن الماضي ، اضافة الى ماحصل في العراق عام 1991 في العديد من المحافظات العراقية . ان استمرا ر النهج القائم على العنف والقسوة والاساءة للقوى المجتمعية التي تختلف مع النظام ( عقيدة ، ونهجاً ، وسياسة ) لن يفضي إلاّ إلى نتيجة واحدة ،يكون الخاسر الوحيد فيها هو النظام السياسي القائم ومن يقف خلفه من القوى السياسية . لقد تعرض العرب السنة في المحافظات التي يشكلون فيها اغلبية سكانية ، الى شتى انواع الاساءات :تخوين وتسقيط وتركيع وتهميش واذلال . وكان في مقدمة ذلك الصاق تهمة الارهاب بكل شخصية سياسية أو دينية في الوسط السني تبدأ في لعب دور مؤثر وفعال في المشهد العام ، من غير مسوغات واجراءات قضائية يتم اعتمادها وفق الاجراءات القانونية! .. بذلك اتسعت قائمة المشمولين بالارهاب لتطال ابرز الشخصيات السنية وأكثرها حضورا واهمية في محيطها،مثل : حارث الضاري ، محمد الدايني ، طارق الهاشمي ، رافع العيساوي ، احمد العلواني ، واخرين .. هذا النهج التسقيطي للخصوم السياسيسن خاصة اولئك الذين ينتمون الى طائفة السنة ، كان لابد أن يكون له نتائج وخيمة على المشهد السياسي بشكل عام ، وعلى مصداقية النظام القائم . يوما بعد آخر باتت تضيق مساحة الثقة مابين العرب السنة والساسة الشيعة الذين يمسكون بعصا السلطة.وتعمقت هواجس الخوف لدى الطائفة السنية ازاء نظرة الساسة الشيعة لهم ، وبدأوا يشعرون بأنهم مستهدفون بكل الاحوال سواء كانوا أناسا عاديين لاشأن لهم بالسياسية وهي الصفة الغالبة، أوكانوا على صلة بها . ومما فاقم هذا الاحساس العام واحاله الى حالة من الاستعداد الضمني لتأييد أية محاولة لإضعاف واسقاط النظام القائم هي سلوك وممارسات الجيش والقوى الامنية مع المواطنين في المدن السنية،الذي اتسم بالعنف والاساءات المتعمدة والتي لاتخلو عادة من عبارات طائفية مقيتة . هذه الاسباب كانت الارضية التي مهدت سقوط اجهزة الدولة والجيش في الموصل على ذلك الشكل السريع. ورغم ماجرى،ومايجري،وماسيتبعه من مجريات،مازلنا نجد الاعلام الرسمي الحكومي،يتجاهل معرفة الدواعي التي كانت تقف وراء ماحدث،مكتفيا كعادته بالصاق مسؤولية ماجرى على كاهل داعش وبقية التشكيلات الدينية السنية المتطرفة.بينما القضية ابعد ماتكون عن هذا التقزيم والتزوير، فهي قضية مجتمع يعيش حالة غليان واحتجاج على واقع قاس أحاط به لأكثر من عشرة اعوام، إلى الحد الذي دفعه لأن يشعر بفرح مكتوم،لايمكن اخفاءه أو نكرانه ازاء ماجرى من هزيمة للسلطة وجيشها،رغم مايصاحب ذلك من هواجس الخوف والقلق مما قد تخبه الايام القادمة،خاصة عندما تستدعي ذاكرة الموصليين صور مرعبة ومخيفة لما قام به النظام السوري من قصف وتدمير للمدن السورية المنتفضة ضده. . !