بين أكوام المسلسلات التي تضخها شبكة نيتفلكس سنوياً والتي تشهدُ أقبالاً مهولاً بات يهددُ قنوات المنوعات والوثائقيات في عموم القارات .. بثت الشبكة مسلسلاً بعنوان ” knightfall ” أي سقوطُ فارس .. والذي يتمحورُ حول ” فرسان الهيكل .. ” Pauperes commilitones Christi Templique Salomonici ” ذلك التشكيل العسكري الذي نشأ إبان الحملة الصليبية الأولى والذي صادقت على إنشاءه الكنيسة الكاثوليكية رسمياً عام 1129 .م .. والذي عُهِدَ إليه بادئ الأمر حمايةُ ” الحجاج المسيحيين ” القادمين من أوروبا الى الأراضي المقدسة ” القُدس وبيت لحم ” … ثم تصاعد دور ذلك التشكيل المُسلح واستقلاليتهُ في القرار وإن عَمِلَ بالتنسيق مع الإمارات الصليبية في بلاد الشام .. لكنه بقي يتمتع باستقلاليةٍ سياسية والأكثرُ أثارة .. الإستقلالية المالية حيثُ شرع التشكيل بخلقِ موارد ماليةٍ خاصةٍ به .. بقيت أحد أهم عناصر بقائه وديمومته لاحقاً بعد تقهقر القطعات الصليبية واضطرارهم الى الإنسحاب من أغلب مستعمراتهم في الشرق بعد الضربات القاصمة التي تلقوها من الجيوش الإسلامية تحت لواء الأيوبيين في أشدها إيلاماً .. متجهين أي ” فرسان الهيكل .. ” لتأسيس مستوطناتٍ في قبرص وكريت ومالطا ناهيك عن من عادوا الى فرنسا وغيرها من الممالك الأوروبية … ولن نخوض أكثر في العمق التاريخي والإقتصادي ومصادر ثروتهم التي كان جلها قائم إما على القرصنة أو الهِبات من هذا الملك أو ذاك .. إلا أنهم عادوا ليمثلوا رقماً صعباً في المعادلةِ السياسية في أوروبا .. كحال أغلب فرسان ذلك العصر .. كالساموراي في اليابان والقادة الأتراك في خراسان وسمرقند .. وكالمماليك في ما بعد في مصر والشام …
إلا أن التساؤل الذي قد يتبادر الى ذهن المشاهد العربي والشرق أوسطي .. أو لا يتبادر حتى … لماذا ذلك النبش في التاريخ !! ولماذا تلك الاختيارات !! تعود القصةُ وتختفي في أوقاتٍ بعينها !!
عندما يطلبُ ” الغرب .. ” وأعني هنا الغرب السياسي وأحياناً المعنوي المُتأثر بالدعاية السياسية .. من العربِ والمسلمين .. تغيير المناهجِ الدينية والتاريخية ” التي وبحسب زعمهم .. قد تؤسسُ للعُنف في الذهنية الإسلامية ” أليس حريٌ بهِ هو أيضاً .. خَفضُ ذلك التمجيد بتلك المليشيا الغازية .. التي شهدت لها كُتبُ المستشرقين من غير المسلمين بالجرائم التي أرتكبوها بحق سكان البلاد الأصليين من مسلمين ومسيحيين عرب !! ناهيك عن ما أرتكبوه خلال رحلتهم الطويلة من مآسي في كل أرضٍ مروا بها ولم تكُن القسطنطينية وأنطاكيا أستثناءً من أهوالهم !!
قد يقولُ قائل .. أنه مجردُ سردٍ تاريخي من باب الترفيه … ربما .. لكن مابالُ سردنا يكونُ ” دموياً وحشياً مُحرضاً على الأرهابِ والعُنف .. ” أمام سردهم الذي يأتي ” مع صعود اليمين المُتطرفِ في عموم بلاد الغرب .. ” مقبولاً ومحموداً وإن جاء على هيئة مسلسلٍ ألصق كُل معايب الخَلقِ بالعربِ والمُسلمين .. وجعل منهم أي المسلمين العائق الأساسي أمام العثورِ على الكأس المُقدسة.. دون التفاتةٍ الى أثرِ ذلك على مجتمعاتهم هُم .. وأعني الجيل الناشئ .. وقد رأى العالم بأُم عينيه قبل أيام ” كيف يمارسُ فتىً أنكليزي ( الإيهام بالغرق .. باحترافية ) .. مع يافعٍ سوريٍ لاجئ !! ” .. الإيهامُ بالغرق المعروف والمُشخص .. والذي يبرعُ فيه الغرب عند ممارسته في التحقيقات ..
ولن تفوتني الإشارة الى ” التصرُف التاريخي .. أو الاجتهادُ بالنصِ ” الذي جعل مُخيلة الكاتبِ تذهبُ الى معادلةٍ غريبةٍ حتى على تاريخ الكاثوليكية في العصور الوسطى .. من تعاطفٍ بل وتضحيةٍ لأجل اليهود بذات اللحظات ” التحريضية ” ضد العربِ والمسلمين .. مما يجعل ذلك الطرح أقرب لفكر ” الكنيسة الأنجيلية الحديثة .. ” منهُ بالكثلكة .. ليستحيل المشهدُ الى مايُشبه ” أمركة التاريخ .. “
أخيراً .. ومن منطلقٍ نقدي للحبكةِ والقصةِ والتوقيت .. أقول أنهُ من المؤسف لكن المفهوم .. أن ترضخ الزعامات السياسية التابعة تبعية الذليل للغرب أمام إنكار الماضي والتراث المهول الذي شيدته الحضارة الإسلامية بكل عناصرها ومكوناتها من عربٍ وفرسٍ وأتراك وأكراد وبربر ومسيحيين ويهود وهنود وصينيين في مرحلةٍ ما .. لتجُف الشاشات العربية وكذا الشرق أوسطية عن الوثائقية ” الواقعية .. لا التمجيدية البلهاء ولو بليّ عُنق الحقائق ” .. لتضع بين يدي المشاهد في شرق العالم أرثهُ .. وترُدّ على الدعاية والتحريض المُضلل .. بما يذكرهُ بحقيقةِ ماضيه وبشواهدِ مستشرقيه ” لا المُراد تسويقه وفق المتطلبات السياسية .. ” .. وثائقياتٍ تُنتجُ بحرفية المُطلعِ على التاريخ .. لا الباحثِ عن قصص الغرامِ والغيرة والتحاسُد في قصور السلاطين والأُمراء ” .