23 ديسمبر، 2024 12:24 ص

سقطة طفل ب 12 مليون دولار

سقطة طفل ب 12 مليون دولار

ـ ضمان حياة ومستقبل الطفل في الدول المتقدمة.. وحتى الدول العربية الخليجية.. يقع في مقدمة اهتمام وعمل تلك الدول ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والعائلة.. ولن يغفر أحد أية اساءة أو اهمال أو تردد في رعاية الطفل.

ـ ومنذ الساعة الاولى لولادة أي طفل من رعاياها تصرف الدولة راتبا شهريا لعائلته يكفي لتقديم كل مستلزمات حياة كريمة ودراسة وتامين صحي حقيقي وتعليم.. ومن ثم عند اكمال دراسته أو بلوغ الرشد يختار العمل المناسب.. وبعكسه يتسلم راتب اعانة البطالة حتى يجد عملا يرغب به !!

ـ ظهيرة يوم 23 نيسان 1980 قطعت قناة الراي الثانية الايطالية برنامجها الاعتيادي.. وظهرت المذيعة الجميلة والمبتسمة دوماً.. على غير عادتها.. وكانت ملامحها تؤشر إن هناك حدثا غير سار.. معلنة الانتقال إلى أحد المجمعات السكنية غرب روما.

ـ وعلى الفور نقلت إلينا الكاميرا صورة حفرة لا يتجاوز عمقها ثلاثة إلى أربعة أمتار.. وفي داخلها يقف طفل في عمر خمس سنوات على حافة أنبوب مياه مجاري مكسور.. وهو ينظر إلى والدته التي كانت تقف على شفا الحفرة تحدثه بهدوء وابتسامة (مجبرة على تمثيلها).. حيث كان إلى جوارها طبيب نفساني جلب على عجل.. وهي تقول له: (حبيبي أيدي لا تتحرك من مكانك أيها البطل الشجاع.. سوف أنزل لك لإخراجك.. ونذهب إلى البيت للغداء.. بعدها إلى مدينة الألعاب).

ـ في الجانب المقابل من حافة الحفرة يجلس القرفصاء الرئيس الايطالي جيوفاني برتيني.. وحوله جمع غفير من الناس بين مندهش ومستغرب وبين ناقم على هذا التأخر في إنقاذ الطفل وإخراجه !!

ـ القصة: هي إن دائرة الخدمات والصيانة في روما كانت تقوم بعملية لحيم الأنبوب المكسور.. بعد أن وجدت أن عملية استبداله تتطلب وقتا أكبر.. وفي الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم توقفت حافلة نقل الطلبة بعد عودتهم من مدرستهم.. والذين نزلوا أمام مجمعهم السكني.

ـ إلا إن (أيدي) ما أن شاهد الأشرطة الصفراء الفسفورية التي تحيط بالحفرة.. حتى اندفع إليها بسرعة ليشاهد ما بدخلها واخترقها وسقط في الحفرة.. حيث كان عمال الخدمات والصيانة منشغلين في قطع قطعة من الحديد مساوية لحجم القطعة المكسورة من الأنبوب.. وخشية من سقوطه داخل الأنبوب وتجرفه المياه الآسنة.. عجلوا في جلب أمه والطبيب النفساني.. لئلا تقع الكارثة.

ـ صادف أن مرً رئيس الجمهورية الايطالية من قرب موقع الحادث.. وعندما علم إن طفلاً سقط في حفرة نزل من سيارته.. ولم يترك المكان حتى انتهاء الحادث.
(وهنا لابد ان نذكر ان الرئيس الايطالي جيوفاني برتيني.. قصير وسمين (أسمن وأقصر من رئيسنا الاسبق جلال الطالباني.. وهو لا يستطيع أبدا ان يجلس جلسة القرفصاء.. (لكنه جلس.. فالقضية عنده أخطر مما تتصورون)!!

ـ المهم: أصرت الأم أن تنزل بنفسها إلى داخل الحفرة عبر السلم الذي خصص لعملية الإنقاذ.. خوفا من أن يرتعب ابنها من نزول أناس غرباء وتقع الكارثة.. فأنقذت الأم طفلها.. وتعالى التصفيق والغناء.. ظلوا أكثر من ساعة يرقصون وهم فرحين.. شاركهم رئيس الجمهورية بالدقائق الأولى.. (بالمناسبة الرئيس الايطالي عمره 76 سنة.. وسمين ولا يستطيع الجلوس القرفصاء لكنه جلس.. لأن الحادث بالنسبة لهم خطير جداً !!.

(لا استطيع ان اصف شعوري.. وانا اشاهد القناة والحادثة من القناة في روما.. لكنني الان وانا اكتب الحادثة.. دمعة عيوني أكثر من مرة.. ليس على الحادثة بل على اطفالنا)!!

ـ المهم أخذت بعدها وسائل الإعلام على عاتقها المهمة.. وتوسعت لتصبح قضية رأي عام.. أدت خلال يومين إلى استقالة عمدة روما.. ومدير الخدمات والصيانة العامة في روما.. وأحيل للتحقيق ومن ثم إلى القضاء كل من له علاقة بهذا الحادث والتقصير والإهمال.

ـ كما أخذت منظمات الطفولة والأمومة في ايطاليا دورها بزيارة عائلة الطفل.. وتقديم الهدايا للطفل.. وشاركت كذلك شركات كبرى تجارية وأطباء وفنانين.

ـ أخيرا دفعت دائرة الخدمات والصيانة مبلغ (12) مليون دولار أمريكي تعويضاً للطفل.. خشية أن يصاب الطفل باكتئاب في المستقبل !!.. حسب تقرير الاطباء.. (أؤكد 12 مليون دولار العام 1980.. هسه اشكد تساوي؟؟؟؟)

ملاحظات:

ـ كم طفل في العراق سقط في حفرة المجاري ومات؟.

ـ كم طفل عندنا يدهس بسيارات مواكب المسؤولين.. وكأن شيئا لم يكن.. او تنزل الحماية وتشتم اهل الطفل أو تتخذ أكثر من ذلك؟.

ـ وكم طفل عندنا قتل بسبب هجمات وتفتيش ليلي وبشكل مفاجئ لبيوت المواطنين؟.

ـ كم طفل عراقي صعق ويصعق مستقبلاً بأعمدة الكهرباء الوطنية في العراق ويموت.. بسبب اهمالها وعدم صيانتها.

ـ وكم امرأة عندنا أجهضت حملها ومات طفلها بأحداث مشابهة؟

ـ كم طفل عندنا مات من عوائل النازحين بسبب البرد أو الحر أو تأخر تقديم العناية الصحية لهم؟.

ـ ماذا قدم مسؤولينا من جيوبهم الخاصة.. أم من مخصصات (الضمانات الاجتماعية) المخصصة لكبار المسؤولين.. الى العوائل النازحة؟.

ـ السؤال الأكبر: ماذا قدم لعوائل كل هؤلاء الأطفال الضحايا ؟.. سواء من قبل المؤسسات المعنية بالتقصير والإهمال أو غيرها؟

ـ كم مؤسسة إعلامية أو مدنية أو نقابة المحاميين أخذت دورها في إحقاق حقوق مثل حوادث هؤلاء الأطفال؟.

ـ بقيً أن نسأل سؤالاً أخيراً: كم مسؤولاً لمثل هذه الحوادث اعتذر من أهل الضحية.. وقدم استقالته ؟

ـ أطفالنا اليوم تموت في الغربة تتقاذفهم أمواج البحار لترميهم موتى على شواطئ الدول.. ولم نسمع كلمة من سياسينا تجاه هذه الجرائم التي اقترفوها هم جميعاً.

ـ أطفالنا أبناء المحافظات التي سقطت على يد داعش.. يعيشون حتى الآن في الشوارع متسولون.. بلا عناية.. اذهب الى الموصل الان.. وستجد الاطفال الايتام ينامون قرب جامع النوري وغيره !! لا مسؤول وصلهم .. او عالج أمرهم!!!!

ـ اطفالنا تشتريهم أو تسرقهم عصابات التسول والسرقة والدعارة.. وهم موجودون في الشوارع.. وفي ضحى النهار.. وفي الساحات العامة.. ولم يقل لهم أحد ماذا تفعلون؟؟

ـ أطفالنا الأيتام.. يعيشون بأسوأ حال في مراكز رعاية الطفولة.. في وزارة العمل.

ـ هل نحن نحترم أنفسنا ؟؟.. هل نحن أبناء العراق حقاً وحقيقة ؟؟.. ونحن ساكتون امام جرائم قتل ابناءنا!!