23 ديسمبر، 2024 10:55 ص

تَسَمّرتُ واقفاً أمام الحافلة البيضاء  الفاخرة ، قرب رصيف محطة القطار في مدينة مالمو ، قدمي اليسرى تطأ  دكة الباب بتثاقل ،  مترددا بين الصعود واللاصعود ، وكأن  يداً خفية تتشبث بقدمي ، فتحول دون خطوي ..
 مازال ذلك الاحساس القديم  يراودني  ، أي إتجاه نحو البعيد يوقظ في روحي كآبة السفر ، شعور مشوب بالخوف ، والحزن الممتزج بحنين غامض ، فوجهتنا الوحيدة آنذاك ،   كانت الى جبهات الموت  ؟؟..
 ظننت أن السنين الطويلة ، والمسافات البعيدة ، ستكون كفيلة بمحو هذا الخوف  من ذاكرتي والى الأبد !!.
لكن  الألم توغل عميقاً ، وترسب في قاع الروح ..
إصعد ياسيد ،  أو دع الآخرين يمرون ، من فضلك  ..
قالها مساعد السائق بلطف ، بعد أن نفذ صبره ، وأنا أقف أمام  دكة الباب ، عائقاً  عبور المسافرين ، الذين إحتشدوا خلفي ،  وقد وصل الطابور  الى أقصاه ..
إتخذت محلا الى جهة اليمين ، كعادتي ، قرب النافذة ، تفحصت المقعد جيداً ، هززته الى الامام ، الى الخلف ، لأتأكد أن كل شيء على مايرام ، فتشت الأرضية ، جذبت الستارة الصغيرة المسدلة على زجاج النافذة ، لم أعثر على ما يثنيني عن رحلتي  ،  كنت أبحث عن ذريعة في داخلي ، للعودة ..
    نداء لاأعرف مصدره ، وسواس يحملني الى ترك السفر ، رغم أني لاأؤمن بالقدر ، ولاأتشائم من قطٍ أسودٍ يفاجأني في الطريق ، ولانعيق غراب على شجرة ، أو رشقة ذروق تنهمر على رأسي من طائر مصاب بالأسهال .. لكني أؤمن ، ومتيقن بأنني أنحس الناس في السفر ..
كانت الحافلة متجهة من مدينة مالمو السويدية ، وستمر بمدينة كوبنهاكن الدنماركية ، ثم هامبورغ الالمانية ، ومدن أخرى ، وبلدات صغيرة  وكبيرة ،  حتى تصل الى مدينة أمستردام في هولندا.
الشمس الخريفية الدافئة شارفت على المغيب ، نسمات باردة   دغدغت  أجساد المسافرين المنشغلين بدس حقائبهم في جوف الحافلة السفلي ، والمغتبطين بثياب نهاية الصيف الزاهية بألوانها وأزهارها ، مما حملهم على فتح حقائبهم من جديد ،  وإرتداء ما يقيهم من لذعة تلك النسائم الباردة..
عيناي تتابعان الوافدين في الحافلة ، يفتشون هنا وهناك عن مقعدٍ شاغر ..
صرتُ أفرد ساقي ما أمكنني ،  لأغطي حيز المقعد المجاور لي ، عندما يمر رجل ، أو إمرأة مُسنة..
وأضمهما عندما تمر إمرأة جميلة تفتش عن مكان للجلوس.. دعوت الحظ أن يصالحني ولو لمرة واحدة  في عمري . !!
هل المكان شاغر؟؟؟
قالتها بالإنكليزية ، بنبرة ناعمة رقيقة  …
يس ، يس.. رددتها بفرح  ، وأومأت لها بيدي ورأسي..
يس ..
إلتصقتُ  ناحية الشباك ، وضممت ساقي الى اقصاهما ،  خشية ان تعدل عن رأيها  وتجلس في مكانٍ آ خر…
دفعت حقيبتها فوق رأسي ، في المكان المخصص للأمتعة الخفيفة  ، ثم طوت  سترتها  الصغيرة ودستها في ذات المكان ،   فاح عطر ممتزج بنكهة الشكولا والليمون ، ألقت نظرة سريعة على المقعد ، وعليّ ، أزاحت بظاهر كفها خصلات شعرها الكستنائي الموشى بخصلات شقراء ، ثم ألقت بجسدها الرشيق الى جانبي ..
اصبح للعطر طعم آخر ، الشكولا والليمون أمتزجا بنكهة جسدها الخمري ، الذي لوحته شموس السواحل الرملية ، أوالشموس الأصطناعية ، هذا ما نمَّ عنه البياض تحت خيوط حمالة صدرها ، والاماكن التي لم تلّوحها تلك الشموس..
إنحسر طرف فستانها الأصفر المُوشى بزهرات بيضاء صغيرة مؤطرة بالأسود ، فإنكشف ساقها الخمري المكتنز ، تناولت كتاب صغير من حقيبة يدها ،  وإستلت تفاحة من كيس صغير ، فتحت صفحة مُعَلّمة بقصاصة ورق  مطوية على شكل سهم ..
إنغمست في السطور ، تقرأ وتقضم التفاحة ، يتوقف القضم ، تتبسم ، ثم تعاود القضم والتبسم .. أما أنا فرحت أرهف السمع الى سمفونية القضم ، وسحر الابتسام..
إنطلقت الحافلة بعد أن إمتلأت المقاعد حتى آخرها ، همهمات  وضحكات ،  تنطلق من هنا وهناك ..
سنعبر الجسر الجديد فوق البحر ، الى كوبنهاكن ،  قالها مساعد السائق بالمايكرفون ، خفتت الأصوات ، ثم ساد صمت عميق ..
بإمكانكم مشاهدة البحر من أرتفاع شاهق ، جسر جميل ، تعبر عليه القطارات ، والشاحنات والسيارات ، وتمر من تحته أكبر السفن والبواخر ، أغلق المايك ، فعادت الهمهمات والضحكات..
إستوت واقفة تتطلع نحو البحر الذي تحتنا..
آسفة ، سأزعجك قليلا ، قالتها في أبتسامٍ ،  منحني رؤية عينيها العسلتين ..
 أود أن أرى البحر ، وها نحن أصبحنا في منتصف الجسر، أي أعلى نقطة فيه !!
لا.. أبداً ، بأمكانكِ ياسيدتي  الجلوس مكاني الى النافذة ،  والإستمتاع بهذا المنظر الجميل .
شكراً لك ، إنها المرة الأولى التي أعبر بها على هذا الجسر ، فقط أود أن أشاهد البحر من هنا ، هي لحظات  ، ليست إلا..

وددتُ لو أن الجسر بلا نهاية ، والبحر بلا ضفاف أو شطآن ، لتظل هذه الفاتنة ،  تنشر عبير جسدها المتمطي مائلاً فوق وجهي ، تتطلع  الى  البحر ،  مسافة صغيرة  ، صغيرة ، وتلامس نهودها المكتنزة   والمتدلية بفعل الانحناء  وجهي ، آه لو أن الطرف الآخر للجسر  يمتد الى نهاية  الكون ..
لم أر البحر ..
 ولم أر الجسر ..
 لكني رأيت السحر ، وشممت العطر ..
 عادت الى جلستها الأولى ، مستأنفة  قراءة الكتاب ، الذي حاولتُ طويلاً أن أتعرف على عنوانه ، لعله يكون مفتاح الحديث بيني وبينها ، لكن دون جدوى ، لم استطع فك طلسم تلك الكلمات ، لأنها ليست باللغة الانكليزية,,
 الفستان الاصفر ذو الوريدات البيضاء المؤطرة بالأسود ، ينسرح مرة أخرى من جهته اليمنى ، ليكشف الساق ، ومافوق الركبة بقليل ، ياإلهي ..أدركت لوهلة أنني في مأزق لذيذ ، كنت أخشى الإلتفات المتكرر ، والنظر المباشر ، الأمر الذي قد يعطي إنطباعاً سخيفاً عن فضولي وتطفلي ، لكن من سيتحمل هذا الأمر ، إن جلس مكاني قرب هذه الجنة الجهنمية ؟؟؟
ليس مهماً أن أُحدثها الآن مادام العطر يسكرني ، ومادامت الأكتاف تتلامس مع تماوج الحافلة التي دخلت مدينة كوبنهاكن ، أجمل اللحظات تلك التي تعبر فيها الحافلة مطب أصطناعي ، أو منعطف حاد ، ينعم علي بالاهتزاز الرقيق الذي يلهب جسدي حينما يلامس كتفي زندها الخمري الدافيء..
الليل يرخي سدوله على المروج والبيوت المتناثرة فوق التلال الصغيرة ، بعد أن خلفنا المدينة الكبيرة بأضوائها وصخب شوارعها ، وناسها ..
أصبحت النافذة مرآة جلية أتطلع من إنعكاس زجاجها الى هذه الفاتنة الصامتة ، التي لم تكلمني حرفاً واحداً ، بعد عبورنا ذلك الجسر الذي خلفناه وراءنا قبل أكثر من ساعة ..
إتخذت زاوية تمنحني رؤية ساقيها دون أن أثير إنتباهها ، مررت كفي على ساقها  ، في وهم مرآتي ، نزلت الى الركبة ، الساق ، كف القدم الصغيرة ، داعبت الأصابع المخضبة الأظافر بالاحمر القاني..
مددت يدي الى حقيبتي الجلدية تحت قدمي ، تحسست ُ زجاجتي الويسكي الصغيرتين وعلبتي الريدبول ، جرعة واحدة وأسألها من أي بلد هي !!! جرعتان وأحدثها عن الطريق والسفر والمدن البعيدة ، ثلاث جرعات وأسألها عن إسمها ووضعها الاجتماعي وعدد أخوانها ، وحينما تفرغ الزجاجات ، سأقرأ لها أبياتاً من شعر السياب بتعتعة خفيفية ، وأقارن لها بين مرآب النهضة والعلاوي وساحة سعد ، وهذه المحطات الرمادية ،  وسأحدثها عن رعب سيطرات الانضباط العسكري في مداخل المدن ومخارجها ، وربما سأشهق باكياً في غمرة سعادتي بمعرفتها ..
    لا.. ليس وقت للشرب الآن !! دفعت الزجاجات بيدي ،  الى جانبك مايُسكر مدينة كاملة .. عدلت عن رأيي وعدت الى مرآتي التي تطل على العالم بأسره..
صوبت نظري هذه المرة نحو شعرها الكستاني الناعم ، بقصَة ( الكاريه ) والخصلات المشقرة بلون العسل ، لم ترفع عينها عن هذا الكتاب اللعين ، إلتفت لأرى أهدابها الطويلة التي تلامس زجاج نظارتها الجميلة بأطارها الأسود اللامع..
إلتفتت إلي باسمة ، بعد أن أطبقت الكتاب للحظة ، تبسمتُ لها ..
يبدو أنه كتاب ممتع ؟؟ سألتها بعد صراع بين جرأتي وخوفي ..
إنها قصص نرويجية  تعود الى منتصف القرن التاسع عشر ..
سألتها عن إسم المؤلف  ، قالت : أنها لمجموعة من الكُتاب ، وبعضها مجهول مؤلفها ، تداولتها الناس ، أغلبها حكابات شعبية ..
أنتِ من النرويج ؟؟  نعم من ضواحي مدينة أوسلو ، ومسافرة الى مدينة هامبورك ، المحطة القادمة ..
كان وقع كلماتها الأخيرة ، أشد علي من بيان طلب مواليدي الى الخدمة العسكرية .. ياإلهي ستنزل بعد أقل من نصف ساعة !!! اللعنة على الحظ ، يبدو أن النحس لايقوى على فراقي ، وهاهو يكشر لي ساخراً مني ،  ومن أحلامي بليلة سفر هانئة قرب هذه الفاتنة .
الحافلة تتماوج من جديد في مدينة هامبورغ الألمانية ، لم تعد لي الرغبة بلعبة لمس الأكتاف ، ها هي دقائق وترحل ،  توقف الباص في محطة المدينة ، كان المطر ينهمر ، والركاب المنتظرين يحملون شمسياتهم وحقائبهم فرحين بوصول الحافلة ..
إرتدت جاكيتها القصير ، ثم سحبت حقيبتها وودعتني بلطف ، متمنية لي رحلة سعيدة ، ظلال إبتسام ترتسم على وجهي الذاوي ، نزلت بخفة ، مثل  قطة جميلة ، تابعتها ، لم تلتفت الى الوراء ، غابت عن عيني ، ثم إبتعلتها العتمة..
الركاب الجدد يصعدون بصخبٍ مسموع ، يبدون أكثر من الذين نزلوا ، أو هكذا هيأ لي ؟؟ !!
عُدت الى لعبة فرد الرجلين وضمهما ، وأنا نصف مغمض ، توقف قبالتي رجل ضخم الجثة ، يرتدي معطفاً كبيراً ، يفتش بعينيه هنا وهناك عن مقعدٍ شاغر ،  حدق بي للحظة ، فردتُ ساقي الى أقصاها وأنا أتناوم ، حتى شغلت المقعد الذي غادرته الحسناء وتركتني بحسرتي ، ودون أي إستأذان إرتمى الرجل على المقعد ، وكأنه كشف لعبتي ، وأراد متعمداً هرس رجلي التي تعدت حدودها ..
نظرت الى وجهه المنعكس على زجاج النافذة ، وجه عريض  أحمر بذقن كثيفة ، خصلات شعره ألأشيب تدلت فوق معطفه ، الذي لم يخلعه رغم الدفء داخل الحافلة ،  كان يتنفس بلهاث ، ويصدر صفيراً مقرفاً من أنفه ، حاصرني كتفه والجانب الأيمن من مؤخرته ، إلتصقتُ بالشباك لاعناً يومي الأغبر وحظي الأشد سواداً من هذه الليلة ..
الطريق طويل ، ليلة كاملة ، كيف سأقضيها الى جانب فيل الماموث هذا ؟؟ بدات أشعر بالضيق  والأختناق ، كيف ساتخلص من هذه المصيبة ، هل أنزل في هذه البراري الباردة ،  وأهيم على وجهي مثل المجنون ؟؟
دفعته بكتفي ، كنتُ أدفع جدار لايتزحزح ، إلتفت إلي محملقاً بعينيه الحمراوين ، ثم أطلق ضحكة صاخبة ..
لست الوحيد الذي يعاني من مجاورتي في الحافلات ،فأنا ضخم كما ترى ، وهذه المقاعد السخيفة لم تصمم لأمثالي هههههه ، عاد يقهقه ، فاحت عفونة لاتطاق من فمه ، ياإلهي أين المفر؟؟
ولكي يضفي على مصيبتي قتامة ، أخرج سندويشة بيض مسلوق ، كبيرة وراح يلتهمها بشراهة ، إبن الكلب يبدو أنه مجنون ، بل هو مجنون أكيد ، لايمكن لعاقل أكل البيض في هذا المكان الضيق المحتشد بالركاب ، الرائحة تنتشرفي المكان كله ، تخنقني ، أشعر بالدوار ، إستويت واقفاً  ، تلفتً الى الخلف الى الأمام ، الى كل الجهات ، لعلي أعثر على مقعدٍ شاغر ، ينزل علي من السماء وينقذني من هذه الكارثة ، ولكن دون جدوى ، الحافلة ممتلئة الى آخرها ، الركاب إنسجموا وتعارفوا يضحكون ويتبادلون أرقام الهواتف والعناوين ، ياويلي على هذا اليوم وهذه الليلة ، نظرت الى هذه الجثة الكبيرة التي تجثم على صدري ، حاولت أن أستحضر صوت تلك الحسناء الرقيقة ، وعبير جسدها الخمري ، لكن هيهات فهذه القفة التي تقبع جنبي أزاحت آخر نسمة عطر خلفتها تلك الحسناء على المقعد..
من سينقذني من هذه الكارثة غيركن ؟؟ مددت يدي الى زجاجتي الويسكي ، فتحت الغطاء وعببت نصف القنينة الصغيرة ،  دفعة واحدة ، لم أستشعر حِدة طعمها ، بل رشفت جرعة ثانية بسرعة ، سرى دفء لذيذ في جسدي وأنا أعب آخر قطرة من هذا الشراب الأشقر الساحر..
أعدت الزجاجة الفارغة الى الحقيبة ، وتلمست الثانية الأكبر حجماً من الأولى ، أحسست بشيء من الأرتياح ، لأنها  منقذي الوحيد  ، ستغسل أفكاري المظلمة ، وتخفف من حدة الكآبة التي تجثم على صدري..
سرحت مع القمر الباهت،  السائر بمحاذاة الحافلة ، السماء رمادية السواد ، شحيحة النجوم ، أحب العتمة الحالكة  في وطني ، الليل هناك سواد حقيقي ، ونجوم كثيرة ، تلتمع في السديم الرحب كاللآليء..
نظرت الى الرجل من خلال زجاج النافذة ، كان صامتاً ، يحدق في الفراغ ، نظراته تخلو من أي تعبير ، صفير أنفه يدق في رأسي مثل نقار الخشب ، إنتابني شعور بالخجل والاشفاق ، كوني قرفت من هذا الرجل الذي لاأعرفه ولايعرفني ، لم نلتق قبل هذه اللحظات ، ربما يكون مريضاً ، مسكينا ، معتوهاً ، أو ربما مجنون ، لقد دفع أجرة المقعد مثلي ومثل أي راكب آخر ، مثل تلك الحسناؤ التي لملمت العطر والسحر ومضت ، من حقه أن يجلس غي المكان الذي يريد ، هكذا حدثتُ نفسي لعلي أستطيع مقاومة هذه الليلة التي لاأرى نهاية لها في الافق القريب ولا البعيد..
أخشى النوم ، من كوابيسي التي مازالت تلاحقني  في يقظتي ، أو قيلولتي ، في أي أغفاءة مهما كانت قصيرة ، لكني سأرغم نفسي  هذه المرة على النوم ، لأن صاحبي هذا لاينقذني منه سوى النوم أو الموت ..
رشفت جرعتين من الزجاجة الثانية ، كان كرش الرجل يرتفع وينخفض مع بقبقة الشخير وصفير الأنف الذي دفعني الى مضاعفة حجم الجرعات وسرعة عبها بشكل هستيري يشبه الأنتحار..
أستسلمت لأغفائة لاأعرف مصدرها ، هل هي جرعات الكحول ، ام الغثيان الذي أصابني من رائحة  ثيابه وأكياس الأكل الفارغة التي كانت تحوي سندويشات البيض والبطاطا وأشياء لاأعرف إسماءها ؟؟
لم أر كابوساً من كوابيس المعتادة زيارتي كل ليلة ، رأيت هذه المرة وكأني دخلت مرحاضاً عاماً في الباب الشرقي ، وعلى حين غرة ، أختفت الناس ، وأوصدت الأبواب وانا دخل تلك المراحيض القذرة ، صرخت بأعلى صوتي ، رفست الأبواب والجدران ، لاأحد يسمع ندائي ، قدماي ثقيلتان ، الرائحة تخنقني ، تشبثت بقفل الباب الكبير ، ورحت أهزه بما تبقى لدي من قوة ، رفست الباب ، فإذا بها تنفتح  على أرض قاحلة في جبهة الحرب ، كان الجنود يتراكضون مذعورين الى كل الجهات ، يصرخون ، غاز الخردل ، إرتدوا الأقنعة ، ضربة كيميائية ، رحت أركض معهم مذعوراً ، وأصرخ مع صراخهم ، أرتطم رأسي بزجاج النافذة ، خردل خردل ، أفاق الركاب على صراخي ، عبرت على فخذ هذا الفيل ، هرعت نحو السائق ومساعدة ، أرتميت بين أقدامهم لاهثاً ، صرخت أوقفوا الحافلة ، إفتحو لي الباب ، إنه يريد قتلي..
من هو ؟؟ صاح السائق ومساعده .. أشرت اليهم نحو الرجل الذي مازال يغط ببقبقة الشخير..