بالتأكيد كان مجرد الحديث عن وجود سفارة إماراتية في إسرائيل خارج سياقات الخيال والتفكير الواقعي قبل أعوام قلائل مضت، ولكن الحاصل أنه تم افتتاح سفارة دولة الامارات لدى اسرائيل في أحدث خطوات مأسسة العلاقات بين الدولتين، حيث تمضي الخطوات على هذا الصعيد بوتيرة متسارعة تعكس إرادة البلدين المشتركة للاستفادة من الفرصة الثمينة التي توافرت من خلال توقيع اتفاقية السلام.
الرسالة الأبرز في حدث افتتاح سفارة الامارات لدى اسرائيل، تأتي من دلالات ومعاني موقع السفارة، حيث يقع مقرها في مبنى البورصة الجديد في تل أبيب، والذي يقع بدوره في قلب الحي المالي لإسرائيل، ما يؤشر بوضوح بالغ إلى موقع الاقتصاد و”البزنس” والاستثمارات في علاقات التعاون بين البلدين، حيث الرهان المشترك للجانبين على الابداع والابتكار في المجال التقني كقاطرة لبناء مستقبل أكثر ازدهاراً ليس للشعبين فقط، ولكن لكل دول وشعوب المنطقة، فالأمن والاستقرار والسلام جميعها متطلبات للتنمية التي تحتاج بدورها إلى بيئة مناسبة كي تنمو وتزدهر.
خطوات التعاون الاماراتي الاسرائيلي تمضي وفق ماخطط لها داحضة مزاعم البعض بأن تطبيع العلاقات قد انتهى سواء باندلاع العنف بين الاسرائيليين والفلسطينيين في غزة خلال شهر مايو الماضي، أو بانتقال رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إلى موقع المعارضة إثر فشله في تشكيل ائتلاف حكومي عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ليتأكد للجميع أن العلاقات الثنائية بين البلدين قائمة على مصالح مشتركة وأسس مدروسة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى وليست نابعة من نظرة وقتية أو رغبة في الاستعراض السياسي والاعلامي؛ فالامارات دولة تمتلك استراتيجيات مستقبلية تنافسية وتحتاج في سبيل تحقيق أهداف هذه الاستراتيجيات الطموحة للتعاون مع مختلف الدول المتميزة في مجالات حيوية مثل العلوم والتكنولوجيا والتقنيات الحديثة ومن بينها اسرائيل، التي تشير الاحصاءات إلى أنها تحتل المرتبة الخامسة عالمياً في مؤشر الابتكار، وحصتها من المقالات العلمية المنشورة تفوق بمراحل نسبة سكانها إلى تعداد السكان العالمي، ولديها واحد من أعلى معدلات براءات الاختراع في العالم، والمؤشرات والاحصاءات الاسرائيلية في مجالات التقنية والتكنولوجيا والبحث العلمي أكثر من رائعة وتغري أي دولة تسعى للتطور والتقدم بالتعاون المشترك معها لما لذلك من عوائد وفوائد تسهم في دفع خطط التنمية بالدول؛ فقطاع التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل يمثل أكثر من أربعين بالمئة من صادراتها، حيث يطلق على اسرائيل اسم “أمة الشركات الناشئة”، وعلى الجانب الآخر تعد المدن الاماراتية الكبرى الأكثر قدرة على استقطاب مثل هذه الشركات بفضل البيئة الحاضنة والدعم الحكومي لها، حيث تؤكد الاحصاءات الرسمية المتخصصة أن أكثر من 35 بالمئة من الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمركز في الإمارات وحدها.
ومن ينظر إلى مسيرة التعاون بين الامارات واسرائيل يلحظ أنها تمضي بوتيرة متسارعة للغاية، حيث لا يكاد يمر شهر من دون زيارات رسمية متبادلة أو توقيع اتفاقات تعاون ثنائي، أو الاعلان عن تنفيذ الخطط والأهداف التي تتضمنها اتفاقات سبق توقيعها، فمنذ شهر أغسطس الماضي حيث تم الاعلان عن توقيع اتفاقية السلام بين الدولتين، نجد أن الخطوات تتقاطر واحدة تلو الأخرى عاكسة إرادة البلدين المشتركة نحو بناء نموذج يحتذى في تطبيع العلاقات بين اسرائيل وجيرانها العرب، من خلال الاعتماد على التعاون الجاد والمثمر في مجال التنمية، بحيث تستشعر الشعوب مردود هذا التعاون بعيداً عن مهارات السياسة ومزايداتها.
ولاشك أن مايحدث الآن في مسار العلاقات الاماراتية الاسرائيلية يجسد بقوة ما خطط له الجانبين منذ بدايات تطبيع العلاقات، حين أعلنا عن “رسم مسار جديد يفتح المجال أمام إمكانيات كبيرة في المنطقة”، وقد كشف البيان المشترك الصادر عن الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الامارات واسرائيل في الثالث عشر من أغسطس الماضي بمناسبة الإعلان عن اتفاق السلام، عن توجه البلدين للتعاون المكثف في قطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة وإنشاء سفارات متبادلة.
ولاشك أن كل مايحدث في مجرى العلاقات الاماراتية الاسرائيلية يعكس رؤية قيادتنا الرشيدة بأن بناء السلام الحقيقي وغرس ثقافة التعايش يتطلب عملاً دؤوباً وجاداً يربط الشعوب بما يجري على الأرض بحيث تجني ثمار السياسات، وبما يسهم في تحفيز الجانب الاسرائيلي على الانخراط بقوة في جهود البحث عن تسوية حقيقية للقضية الفلسطينية، وبما ينهي الصراع ويحقق السلام، وينزع عن المتطرفين أحد أخطر الأوراق والأسلحة التي يستغلونها للبقاء في صدارة المشهد الاقليمي باعتبارهم لاعبين قادرين على اثارة التوتر وإشعال العنف الذي يقوض الأمن والاستقرار.
سفارة الامارات في اسرائيل خطوة مهمة لبناء نموذج للعلاقات المستقبلية بين اسرائيل ودول المنطقة، حيث يتجه التركيز على التعاون في مجالات البناء والتنمية والتجارة والاستثمارات وغير ذلك مما يحقق مصالح الشعبين، ويفتح الباب أمام توسيع نطاقات الاستفادة والتعاون المشترك أمام بقية شعوب المنطقة.