23 ديسمبر، 2024 5:25 ص

سعدي الحلي صوت نشاز لخراب آخر

سعدي الحلي صوت نشاز لخراب آخر

الاغنية العراقية فيها ميزة خاصة، هي هويتها، قد لا تمتلك هذه الميزة اغاني تملك هويات أخرى. الميزة هذه تتصف بالنكهة التي تضيف حلاوة الى حلاوتها، وطلاوة الى طلاوتها، هي ايضًا (الاغنية) تتصف بطابع الحزن الذي ينتابها، والشجن الذي يصاحبها كرداء يزيد من جمالها؛ فالحزن في الاغنية العراقية تراه موجودًا حتى في الاغنية المفرحة التي عادة ما تؤدى في الافراح والمناسبات الاخرى غير الحزينة كمناسبة حفلات الزواج مثلاً. الحزن الذي تجده في الاغنية العراقية لا يعني إنه دخيل عليها. وهو ليس الحزن الذي يراد منه اضفاء الكدر والشؤم واحالة الافراح الى اتراح والسرور الى مصائب، بل ليشد المستمع الى حلاوة ذلك الصوت وعذوبة الكلمات واصالة اللحن. وهناك مئات الاصوات الجميلة التي دخلت اروقة الاغنية العراقية فنجحت وقدمت عشرات الاغاني الجميلة الممتعة، وبالمقابل ثمة اصوات اخرى ايضًا كثيرة (نشاز) شوهت الساحة الغنائية، واساءت الى الاغنية.
اثار حفيظتي كاتب عراقي كتب مقالاً قصيرًا، يثني فيه على المغني العراقي الراحل سعدي الحلي، و وصفه بأنه صوت عراقي راق، مؤثر قلّ نظيره، ولا يمكن أن يتكرر!، بحسب تعبيره. وهذا الرأي ينافي الحقيقة والواقع الملموس، حيث لم يستند الى قاعدة ذوقية ولا فنية، لا من قريب ولا من بعيد، بل إنّ هذا الصوت صوت نشاز، واكثر الكلمات التي وردت في كثير من الاغاني التي اداها، نستطيع أن نصفها بأنها كلمات بذيئة تخدش الحياء، فضلا عن إنها اغاني لا تليق بسمعة الاغنية العراقية ذات الطابع الفريد، والتي لها متذوقين يعدون بالملايين، لا في العراق فحسب، بل وفي كل اصقاع الوطن العربي، من شماله الى جنوبه، اغاني رددها فنانون كبار ذات اصوات متميزة، وحناجر اصيلة، تحمل من الذائقة الفنية والثقافة الموسيقية ما تحمل. لهذا استطاعت أن توصل الاغنية العراقية الى مستوى عال الى العالم، بفضل الموهبة الحقيقية، والصوت الجميل المعبّر الشجي، وكذلك الشعور بالرسالة الملقاة الى عاتقهم كمبدعين حقيقيين، كل همهم هو أن توصل تلك الرسالة الى الجميع بشكل سليم، فكانت هويتهم هي الهوية التي يُعرفون من خلالها، على اعتبارها هوية اتسمت بسمة خاصة، من كونها تبحث في جذور الذائقة الفنية لتصل الى المتعة والجمال، وللنشوة ومن ثم الطرب الذي يفضي الى الشعور بالإبداع الحقيقي ومنه تحريك الاحاسيس والمشاعر الجياشة للمستمع الذوّاق، سواء في حالة حزنه أو حالة بهجته وسروره.
وكل هذا الذي وصفناه، لا نجده لدا سعدي الحلي ولا غيره (من شاكلته) يمتلكه او حتى يمتلك جزءٌ منه، لأن الحلي يفقده وفاقد الشيء لا يعطله.
سعدي الحلي يمثل ظاهرة من الغناء الهابط، والاصوات التي شاركت في تهجين الاغنية العراقية الاصيلة بهدف تراجعها وتخلفها عن ركب الابداع، وهذه الظاهرة استخفت بالأصوات الحقيقية التي ارادت النهوض بالأغنية وايصالها الى اعلى مستوى بالعالم العربي. ويشارك الحلي الكثير من الاصوات النشاز الاخرى والتي قد نتعرض اليها في مقال آخر، لفضح تلك الاصوات كي تقف الاذواق السليمة بالضد منها ولا تستمع لها تارة اخرى بعد اليوم، بل وفضحها على رؤوس الاشهاد، حتى يكون الجميع على بينة من امرهم أن ثمة اغاني هابطة واصوات نشاز، وبالمقابل إنّ هناك اغاني اصيلة واصوات جميلة وما تزال تلك الاصوات تصدح في الذائقة السليمة، وتجد من يستمع لها. كما إن هناك اذواق مريضة لا تستطيع أن تميّز بين الاغاني الهجينة من الاغاني الاصيلة، وهذا يعود الى الثقافة الهابطة التي تحملها تلك الاذواق المريضة، وبالتالي انعكست تلك الثقافة، سلبًا، على الفن الغنائي، فصارت (تلك الاذواق) لا يميّز بين الاصالة والهجانة، إذ اختلط عليها الحابل بالنابل.
سُئل أحد الكتاب: لماذا بعض كتاباتك تتميز بالإبداع والجمال، وبعضها الآخر يمتاز بالركاكة والنفور؟. فإجابهم بقوله: إنه لولا وجود هذه الركاكة لما عرفتم الابداع والجمال في كتاباتي. وهذا المثل ينطبق على سعدي الحلي، إنه لولا وجود ما قدمه من هبوط وانحدار لما عرفنا الاصوات المبدعة الاصيلة، التي كانت معه في تلك الفترة من الزمن الذي عاشه الحلي ليقدم لنا ما قدم من نشاز اطلق عليه البعض بإنه جميل.
سعدي الحلي لم يدرس الموسيقا، ولا يمتلك ثقافة فنية، ولا يجيد العزف على أي آية موسيقية، كالعود أو الكمان؛ فقط يمتلك صوتًا عاليا اجش فيه قرار بلا جواب، حيث اختص بلون واحد من الغناء؛ حتى إن الاذاعة والتلفزيون آنذاك لم تسجلا له الا اغنية أو اثنتين، فلم يجازف أي ملحن بإعطائه لحنا آخر، فظلت اعماله حبيسة الكاسيتات والاشرطة.