تتسارع الأحداث وتتوالى الأخبار المؤسفة والحزينة من الجارة العزيزة سوريا ومن شعبها القريب إلى القلب وهم ينزفون ويأنون من جراحهم المريرة في ساحلها الجميل وابناءه الطيبين الذين كُتب عليهم العيش المرير تحت سقف ابنهم البعثي العاق أو على يد الارهاب من اتباع الجولاني ومن لف لفيفه، وكأن هذا البلد الجميل يرفض أن يعيش بسلام بعد صراع اهلي ودولي استمر 14 سنة مستمرة ويبدو بأنه لا يزال مستمراً الى هذا اليوم ولكن بشكل مختلف.
من الصعب على أبناء هذه البقعة التعيسة والملعونة من العالم التخلص من سعار الطائفية وأن ادعى الكثيرين ذلك ، ولكن بمجرد أن ينفتق جرح الطائفة ويخرج قيحها الى الخارج تجد الألسن ممدودة والسيوف مشهرة وكم التهديد والمسبات للطرف الاخر تملئ وسائل التواصل الاجتماعي وتشعر بأن حرب صفين سوف تعود وأن علي ومعاوية بعثوا من جديد، ويقيناً لا أعلم متى سينتهي كل هذا البؤس.
أن تقف حيادياً في صراع ديني/ مذهبي معقد كصراع المسلمين سنة وشيعة فيما بينهم و تتداخل في هذا الصراع عوامل القومية والعشائرية والعامل الأقليمي والدولي هو أمر صعب للغاية ولكن لا يعني ذلك مطلقاً أن نكون طرفاً فيه ولا أن نكون حطباً في قتال لا ناقة للمدنيين الآمنيين فيه ناقة ولا جمل وأن هذه الحرب المسعورة الطائفية والقذرة هي حربهم هم وأعني بكلمة هم الذين يستحضرون الماضي خدمة لأهداف الحاضر، الذين يريدون خدمة اسيادهم ونيل المكاسب والغنائم ولو على دماء الأبرياء وجماجم النساء والأطفال، لا حربنا نحن الذين نلتمس العفو و السلام والعيش المشترك مع جيراننا المختلفين عنا أياً كانوا وكيفما كانوا.
حسب المرصد السوري لحقوق الأنسان وهو منظمة غير حكومية تعمل على رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان في سوريا خاصة خلال الحرب الأهلية السورية التي بدأت في عام 2011 ومؤسسه رامي عبد الرحمن وهو ناشط حقوقي سوري يبدو ان ما حدث كان سلسلة من الكمائن التي نفذها عناصر من نظام بشار ضد قوات الامن السورية وقتل فيها العشرات من هذه القوات، كما يبدو ان هذه العناصر سيطرت على بعض البلدات والقرى في اللاذقية وبانياس وطرطوس وجبلة وغيرها من مناطق العلويين في الساحل.
رد نظام الشرع بتعزيزات عسكرية واقتحم هذه المناطق وسيطر على كثير منها وقتل عشرات من مسلحي النظام السابق في الاشتباكات، لكن ما هو مؤكد الان ان عدة مجازر – ما لايقل عن 30 مجزرة – حتى الان قد وقعت بحق المدنيين العلويين نفذها مسلحو النظام الحالي وقتل فيها ما لايقل عن 800 علوي بينهم نساء واطفال، نظام الشرع اعترف بوقوع عمليات قتل ووجه اللوم لعناصر غير منضبطة من الاهالي، من جهة ثانية اعلن احد ضباط الفرقة الرابعة السابقة في الجيش السوري السابق تشكيل مجلس عسكري لتحرير سوريا، هذا الضابط واسمه غياث دلا متهم بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب الاهلية السورية والأمور الى الان لا تبدو بأنها تبشر بخير أو توشك دوامة العنف هذه على الانتهاء مع تصاعد الدعوات دولياَ وأقليمياَ لوقف القتال.
ومع كل هذه الجرائم الحاصلة في الساحل السوري، تأتيك اسئلة هي بغاية السذاجة والاستخفاف مما يحصل من قُبيل ( احنا شعلينة بسوريا) أو ( شكو مدوخين روحنا بيهم، الي بينا مكيفنا) وهكذا من التعليقات التي لا يرى اصحابها أبعد من أنوفهم، وكأن سوريا ليست جارة ملاصقة للعراق وتربطنا معها 599 كم من الحدود من محافظة نينوى حتى محافظة الأنبار ومن جهة سوريا من محافظة الحسكة حتى محافظة دير الزور وأن ما يحدث هناك سيؤثر بالضرورة على السياسة والمجتمع العراقي بشكل مؤثر للغاية من الناحية الجيوسياسية ، وأن أي زعزة للاستقرار والسلم الأمنيين في كلا البلدين سينعكس بالضرورة على احدهما الاخر.
ترفض هذه المنطقة المسماة بالعالم العربي أو الشرق الأوسط الجنوح للسلم والتعايش بين أفرادها منذ قرون تقريباَ ويرفض أبناءها لغة القانون والعدل والمساواة والحداثة والديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة ومعاييرالنزاهة والشفافية وما الى ذلك، ويستبدلون هذه التعابير بعبارات الثأر والقتل والانتقام والهياج الديني وتعالي صرخات (الله أكبر) كلما هّم أحدهم بذبح الاخر فقط لكونه مختلفاً عنه في العقيدة.
والنتيجة كما ترون ماثلة امامكم من تراجع رهيب في جميع المستويات من تعليمية وصحية وسياسية واقتصادية وفكرية وغيرها في بؤس مستمر لا يريد أن ينتهي.
ويبدو لي بأن هذه المنطقة ومثقفيها عاجزين تماماً عن النهوض بواقعها الفكري والاقتصادي والسياسي ولا يزالون يعانون من تراكمات التاريخ و غياهب الماضي العالقة فيهم حتى الساعة من دون أي محاولة حقيقة للنهوض من واقعهم المشؤوم ومحاولة صناعة نموذج لدولة مدنية عصرية قادرة على أن تستوعب جميعا أبناءها بكافة اطيافهم وألوانهم بغض النظرعن اختلافاتهم الفكرية والسياسية والدينية والمذهبية، دولة لا يتناحرفيها أبناء البلد الواحد من أجل أناس درسوا في التاريخ منذ ألف سنة ولم يعد لهم أي أثريذكر.