19 ديسمبر، 2024 1:16 ص

سطحيّون بلا مضامين … فاحذروهم

سطحيّون بلا مضامين … فاحذروهم

يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه ” الناس السطحيون مضطرون للكذب دائماً , بوصفهم محرومين من المضمون ” . وما اكثر السطحيون في مجتمعنا في هذا الزمان ممن يجيدون الكذب واللعب على المبادئ بقيم مقلوبة ومفاهيم معكوسة تخيّل للبسطاء من الناس بانها منهج قويم يضمن لهم المضي نحو بر الامان .

 

وما ان تقترب كثيرا من حياة هؤلاء ” السطحيون الانتهازيون ” حتى تكتشف عالمهم المثقل بالاكاذيب والقائم على خداع الاخرين والضحك على عقولهم ، وما يطلقونه من شعارات براقة ما هي الا كلمات فقط يتلفظون بها دون تاثيرٍ في سلوكهم فهم خاوون من المضامين الراقية ، والاهداف السامية ، وما يربطهم بالاخر مقدار ما يحققه لهم من مصالح ضيقة واهداف خاصة .

 

سقت هذه المقدمة وانا اتابع خلال الساعات الماضية الحدث العراقي الابرز الذي سيطر على وسائل الاعلام كافة بمختلف صنوفها وضجت به مواقع التواصل الاجتماعي ، وهو تشكيل تيار سياسي جديد يحمل اسم الحكمة ، ولسنا ندري لغاية الان مقدار اقترابه من اسمه وهل له منه نصيب كما يقال ؟ ، ام انها حركة ” حربائية ” اضطر لها القائمون على المسمى الجديد استعدادا للمرحلة المقبلة وهروبا من الاخطاء المتراكمة التي كانوا جزءا منها والقائها على الاخرين وكان شيئا لم يكن .

 

ان خطوة الانشطار وتشكيل تيار او حزب جديد لا يلغي مسؤولية المنشطرون في تحمل اخطاء الماضي التي كانوا من المشاركين فيها بشكل اساسي ولا يعني خروجهم بتشكيل جديد براءتهم مما يحدث للعراق الان ، فالانشطار والقاء الكلمات المنمقة لن تنفع مع العراقيين الذي أدركوا بعد هذه الاعوام خلوّها من المضامين وانها لا تستحق قيمة الحبر الذي كتبت فيه .

 

والمؤسف جدا ان الكثير من الشخصيات الدينية اخذت تتراجع عن شعاراتها الاسلامية، في ظاهرة تبين عجز هذه الشخصيات عن تطبيق شعاراتها لانها لم تكن منذ البداية تمثل قناعة لديها وان الضرورة كما يبدو دفعتها للاختباء خلفها وتحقيق الاهداف التي تسعى اليها من خلالها كونها تتناغم مع عواطف الناس البسطاء ممن ظنوا بهم ظنا حسنا واعتقدتهم المخلّصين لها من معاناة النظام المباد ، ولكن تبين فيما بعد صدق ما قاله نيتشه بان السطحيين يضطرون للكذب لخلوهم من المضامين .

 

ولم يعلم هؤلاء ان تراجعهم عن شعارات الاسلام التي حملوها ظاهرا وتبرؤهم منها وكانها سبة عليهم او جناية تصيب من تبناها والتزم في الدعوة لها ، ليعطوا مبررا لاعداء الدين بان هذه الشعارات عاجزة عن قيادة المجتمع وان الاخير بحاجة الى خطاب وطني لمداواة جراحه !! وكان التعاليم السماوية قاصرة عن معالجة مشاكل الناس . والحقيقة انهم قاصرون وعاجزون عن تطبيق شعاراتهم التي اوهموا الناس بها طمعا باصواتهم وسعيا للمناصب التي تخدم اطماعهم الضيقة ، وان تراجعهم عنها هو طعنة للمصلحين على مر التاريخ بمختلف مسمياتهم ممن بذلوا الانفس وقدموا التضحيات لاثبات احقية الاسلام في قيادة الحياة .

 

وامام هذه التجارب فان المجتمع العراقي مطالب بتشخيص المتلونين مما يشبهون الحرباء في تقلباتها تبعا لطبيعة الظروف المحيطة بها فسلوكهم على ما يبدو بعيد تماما عن شعاراتهم الزائفة التي يحاولون خداع الناس بها عبر اللعب على عواطفهم وخلط الامور عليهم لتبدوا غير واضحة على الانسان البسيط ، فالمجتمع هو المسؤول الاول عن ايصالهم فلا يلومنّ غير نفسه ان وقع بين ايديهم مجددا ، فمن يخون مبادءه التي بني عمله عليها لا شك انه لن يتراجع عن خيانة الاخرين وعدم الاهتمام بقضاياهم .

 

وكما هو واضح فان الافكار المستقاة من التعاليم السماوية لن نشاهدها في سلوك أي فرد بشكل حقيقي وصادق مادامت لم ترتقِ لتكون جزء من قناعاته وان حاول ابداء عكس ذلك ، ولعلنا في العراق عشنا تجارب واقعية كثيرة جعلتنا نميز الغث من السمين ونفرز الحقيقي من المزيف ولا اظننا سنقع بالخطأ مرة اخرى الا ان تعمدنا ذلك عنادا مع انفسنا وابناء جلدتنا طمعا بثمن بخس او منصب زائل فنكون ممن باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم فلا هم بالدنيا منعّمون ولا هم بالاخرة من عذاب الله ينجون .