19 ديسمبر، 2024 12:04 ص

أهوار الجنوب مهد لايتأرجح، بل ينساب لحضارة سومر.
إختارها العبادي ليجلس في قارب ويمخرها بين مستعمرات البردي والقصب الناشئة بعد العودة من رحلة الجفاف الطويلة. وفي أعلى جبال كردستان كان البرزاني يعلن أن موعد إستفتاء الإنفصال لن يتغير وكان كما قال في 25 سبتمبر الماضي وقد جرى بالفعل لكنه جر المنطقة الى دائرة توتر غير مسبوق وعصف بالعلاقة التقليدية بين بغداد وأربيل المتوازنة وفقا لنظام أتفق عليه الفرقاء السياسيون منذ عام 2003 وحتى 25 سبتمبر حيث تغيرت المعادلة السياسية بالكامل ولم تعد الأمور كما كانت في السابق وبدا أن الكورد الذين إستفتوا على مصيرهم المجهول سيتعرضون الى عقوبات لم يألفوها ولم يتوقعوها من الشريك الذي جعل تقسيم العراق والمساس بوحدته خطا أحمر ولم يترك المجال لمنافسيه ليسبقوه في ميدان الرفض القاطع لخطوة الإنفصال الكردية.

تحدث العراقيون مطولا عن هدوء رئيس الوزراء العراقي وهو يتابع تطورات الأحداث وبينما كان البعض متشنجا وكان ينادي بخطوات تصعيدية كان العبادي يمارس دوره في إدارة الأزمة ويتدارس الأوضاع مع القادة الميدانيين وزار قيادة العمليات المشتركة للإشراف على معارك تحرير مناطق غرب البلاد والتحضيرات لمعركة تحرير الحويجة في نفس الوقت الذي كان فيه وفد المجلس الأعلى للإستفتاء في بغداد حيث إلتقى بقادة في العاصمة بينما رفض العبادي مقابلة القادمين من اربيل في أول إشارة عملية على موقفه من خطوة الإستفتاء الذي جوبه بعاصفة من الرفض المحلي والإقليمي وهو مافاجأ رئيس إقليم كردستان.

كانت قرارات العبادي صادمة للبرزاني ولسياسيي بغداد الذين كانوا يتوقعون أن تكون غير عملية ولاتحدث أثرا ولكن تطور الأحداث جعل الأمور تأخذ مسارا آخر تماما. فبعد ظهور نتائج الإستفتاء إلتأم البرلمان، وفوضه لإتخاذ مايلزم من إجراءات عملية لمواجهة تداعيات الأزمة، فكان القرار الأول هو رفض مطلق للإستفتاء، وعدم الإعتراف بنتائجه، وتعطيل المطارات المدنية، وإغلاق المنافذ الحدودية، والسيطرة عليها بالتنسيق مع الشريكين الغاضبين تركيا وإيران، ووقف حركة تبادل السلع وإنتقال الشاحنات بين الإقليم ودول الجوار، وعندما دعا البرزاني الى حوار كان الرفض هو الجواب، ومع تزايد ردات الفعل، ومطالب بتعميق الحوار لم تعترض الحكومة لكن العبادي إشترط إلغاء الإستفتاء، والرجوع الى ماقبل 25 سبتمبر وهو مايعني إن الباب قد اغلق تماما فمن غير المتوقع موافقة البرزاني الذي لايستطيع ان يتراجع، ولايستطيع أن يتقدم ولكنه بحاجة الى التنازل لكي يتخلص من المشكلة التي أخذت تتعمق مع تزايد حضور المعارضة في السليمانية، وقرار نوابها العودة الى جلسات البرلمان الفدرالي.

هدوء العبادي كان صاخبا، وعرف الجميع سببه. فالأمريكيون لايجدون حليفا كالعراق في مواجهة الإرهاب لأنه اثبت مدى صدقيته ومهنيته وحسن إدارته للأزمة. وقد تبين إن بغداد هي الشريك الأكثر قبولا لدى الغربيين من أربيل التي قررت إجراء الإستفتاء في ظروف لايحبذ قادة الدول الكبرى أن يجري فيها مايضعف الحرب على الإرهاب.

الإيرانيون والأتراك الأكثر قلقا من تداعيات الإستفتاء تحركوا عاجلا، وقاموا بتنسيق المواقف، ثم أجريت مناورات عسكرية مشتركة بين الجيشين العراقي والتركي، وأخرى مشتركة مع الجيش الإيراني، وصارت عواصم جوار كانت تتخذ مواقف متشنجنة من العبادي تقترب اكثر بحثا عن حل لأزمة تخشى الإكتواء بها، وبدأت تطبق إجراءات تتماهى مع موقف الحكومة العراقية، ويبدو أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من الحراك الحكومي بإتجاه وقف تداعيات الإستفتاء.