22 ديسمبر، 2024 10:05 م

مرت احتفالات الذكرى الحادية والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي هذه السنة، مرورا متميزا. اذ وصلت الى جانب برقيات التهاني، باقات الزهور التي بعثها قادة الأحزاب والحركات والشخصيات السياسية البارزة، كما زارت مقرات الحزب وفود عديدة لتقديم التهاني، وكان الحضور الرسمي هذا العام متميزا أيضا، كذلك سعة كتابات الإشادة التي أجاد بها عدد كبير من المثقفين العراقيين. كل هذا وغيره كان محل رصد ومتابعة من لدن الصديق العزيز باسم مشتاق، الذي وجدته هذه المرة بأسعد أوقاته وهو يتحدث عن الذكرى بلهفة واعتزاز، وكأنها المرة الأو?ى التي تمر عليه فيها ذكرى التأسيس، رغم عمله في الحزب ومرافقته لأنشطته ومراقبته لتاريخه لأكثر من ستين عاماً.

دهشة صديقي باسم ازاء اتساع الاحتفال بهذا الذكرى والتي رافقتها إشادات بقيم الحزب وسياساته، ولدت عندي عدداً من الإسئلة حول سر هذا الانحياز لحزب لم ينتظر منه أعضاؤه ومريدوه منصبا او مالا او نفوذاً، و لم يقدم لأعضائه الحق يقال في أحسن الأحوال غير التشرد والسجون وطول المعاناة، وضنك العيش وصعوبة الأيام.

هذا ما دفعني الى طرح سؤالي سريعا: ( انت ليش انتميت للحزب؟). بطبيعة الحال وانا اطرح هذا السؤال لشخص ارتبط بالحزب وهو من مستوى طبقي مترف، فالمناصب في العهد الملكي كانت تنهال على والده، مرة مدير عام حينما كانت مواقع المدراء العامين في السلك الوظيفي آنذاك تعد على أصابع اليد، ومرة أخرى يشغل موقع سفير للعراق، بين ثلة مقتدرة من الكفاءات، فهو بالتالي ابن غنى وثراء، ومن طبقة مرفهة.

أجابني دون تردد: هذا هو السؤال الذي طالما كان يطرح علي من الرفاق والأهل والأصدقاء، لا بل حتى من رجال التحقيقات الجنائية الذين كان يفاجؤهم انتمائي للحزب، فان كنت انفي صلتي بالحزب إثناء التحقيقات بعد تعرضي للاعتقال، فانا افخر بذلك في سري. فانا ممتن للحزب وسأبقى مدينا له، لانه هو الذي أضفى على شخصيتي الروح الإنسانية والانحياز الى قيم المواطنة وحرية الرأي والضمير والعدالة ونصرة الحق، واحترام العلم والعلماء، والاعتزاز بالثقافة والمثقفين، وجعلني اعيش شابا رغم نكد السنين.

من يعرف باسم، لا يندهش من نشاطاته السياسية والاجتماعية واهتماماته الثقافية والفنية، فهو مواظب على جلسات الأدب والفن والثقافة، ولا زال، كما ايام كان فتيا، يوزع إصدارات الحزب يحرص على ادامة الصلة بالآخرين. وحين تراقب حماسته تكتشف سر عدم شيخوخة الشيوعي وان بلغ الثمانين!

لم يكن انتماء باسم مشتاق لهذا الحزب استثناءا نادرا. فالحزب لم يكن يوما موصدا امام الناس، انما كانت ابوابه ولا زالت مفتوحة، مشرعة امام العراقيين، من جميع طبقاتهم وفئاتهم وقومياتهم وأديانهم وطوائفهم، ما داموا يقبلون بشروط الانتماء ومنها الانحياز الى قيم المواطنة والتحرر والعدالة الاجتماعية، والعمل من اجل ان يكون العراقي مواطناً حراً كريماً في وطن متحرر من كل قيد يحد من استقلاله وسيادته.