دعا تشرشل قبل بدء الهجوم الهتلري على أوروبا، ستالين الى عقد تحالف ضد ألمانيا مؤكدا في رسائل سرية ان هتلر يستعد لحرب يثأر فيها من هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الاولى التي أفضت الى تقاسم العالم، بما في ذلك الشرق الاوسط بين المنتصرين، ولم تكن روسيا البلشفية من بينهم.
بيد ان الزعيم السوفيتي ظل يتعامل بحذر مع الامبريالي البريطاني الذي دعم القوات المعادية للثورة البلشفية( حركة البيض) بزعامة القائد الاعلى لروسيا الجنرال الكسندر كولتشاك (1874-1920)رغم ان حكومة صاحبة الجلالة لم تهرع لإنقاذ ال رومانوف بعد ان عزلت حكومة ألكسندر كيرينسكي المؤقتة، نيكولاي الثاني عن العرش وسجنه مع أفراد اسرته الى ان اعدمه البلاشفة عام 1918.
حين أدرك تشرشل ان قوات الثورة المضادة عاجزة عن دحر حكومة البلاشفة؛ تخلى عنها وصرح ان لينين وحده قادر على” إخراج روسيا من المستنقع الذي أوقعها فيه” ، وان لندن جاهزة للاعتراف بالنظام الجديد وسط تجاهل الاسر الملكية الحاكمة في القارة العجوز لمصير آخر القياصرة الروس نيكولاي الثاني والتعتيم المطلق على ودائع روسيا من الذهب والعملات في البنوك الأوربية والتي لا يعرف لها اثر الى اليوم.
على الرغم من استنكار قادة البلاشفة لتأريخ روسيا الاقطاعية والعبودية على يد القياصرة، الا ان لينين وستالين،ناهيك عن تروتسكي قرأوا بإمعان تأريخ روسيا وتمثلوه بعمق.
وسادت بينهم نظرة مثلت الوعي الجيوسياسي للقيادات السوفيتية وبعدها الروسية، بان روسيا محاطة بغابة من الاعداء وانها هدف لمطامع الدول وصارت مقولة القيصر الكسندر الثالث، الذي غالبا ما يتمثله فلاديمير بوتين في خطاباته ومقالاته، عند الحديث عن المخاطر المحدقة ببلاده “ان لروسيا حليفان فقط الجيش والأسطول”؛؛؛
العبارة المجنحة الاثيرة لدى القيادات الروسية حتى اليوم.
في القرن السابع عشر أفتتح القيصر بافل الاول، نجل الإمبراطورة كاترين الثانية عصر الشراكة السياسية والتجارية مع بريطانيا العظمى التي حرصت على سيادة ومركزية الدولة الروسية بوجه المطامع السويدية والبولندية، ووجدت لندن في بافل شريكا طيعا لتحقيق المصالح الانكليزية في العالم القديم. وكانت الشركة الروسية البريطانية عنوانا للتعاون متعدد الوجوه.
تضاعفت أهمية روسيا بالنسبة للتاج البريطاني مع زحف نابليون بونابرت وسعيه لاحتلال الممالك الأوربية وإقامة دولة اتحادية بزعامة فرنسا، وادركت لندن ان روسيا مترامية الاطراف وحدها قادرة على تحطيم أحلام الامبراطور مفتوح الشهية.
بالمقابل ادرك بافل الأول ان الحليف البريطاني ياخذ ولا يعطي؛ فقرر التحالف مع القوة الزاحفة لنابليون وادار ظهره للندن.
وتبادل الرسائل مع نابليون بونابرت على تجهيز حملة برية روسية فرنسية تتجاوز سيطرة الاساطيل البريطانية على البحار، تمر عبر آسيا الوسطى الخاضعة للتاج الروسي، لاحتلال الهند وتقاسمها بين الامبراطوريتين الفرنسية والروسية.
وبذلك فقد تعدى بافل الأول على العجل الذهبي للتاج البريطاني وصار من حينها هدفا للتصفية.
تسربت نوايا القيصر المتاثر بمقولة والدته كاترين الثانية( لا تصدقوا الكلام المنمق للانكليز وطالبوهم بوثائق) عبر عيون واذان الملك جورج الثالث في البلاط الروسي، ولم يلبث طويلا في سدة الحكم بعد ان كشف عن نواياه الخطيرة من وجهة نظر لندن؛ حتى قام نجله الكسندر بقتله والاستيلاء على العرش.
ولجأت الدعاية البريطانية كالعادة الى تلفيق قصة ان بافل الأول مختل عقليا وان المصلحة الوطنية لروسيا تقضي عزله،وثبتت تلك الرواية في أوساط الجنرالات الناقمين على سياسات القيصر الإصلاحية وحرضت نجله الكسندر على الاشتراك في مؤامرة عزله ومن ثم قتله.
وظل حادث مقتل القيصر بافل الأول يدون في كتب التأريخ على انه توفي بنوبة قلبية الى ان أنفجرت ثورة 1905،التي افضت الى بعض الاصلاحات الدستورية، ومنحت الصحافة قدرا من الحرية؛ فتم كشف المستور عن دور السفير البريطاني و الوريث الكسندر نجل بافل في جريمة إنقلاب القصر.
بعد ذلك بسنوات، اميط اللثام عن دور الاستخبارات الانكليزية في اغتيال الكاهن المشعوذ راسبوتين الذي كان شديد التاثير على القيصر نيكولاي الثاني وأسرته، ويشاع انه كان ينصح بعدم تورط روسيا في الحرب مع المانيا لانها ستعني نهاية الامبراطورية الروسية.
فعاجله عملاء لندن بقنينة فودكا معفرة بسم قوي قاتل، لم يطرحه أرضا، فامطروا جسده الاسطوري بعشرات الطلقات وألقوا بجثته النازفة في نهر نيفا ولم يزل حيا!
سلام مسافر
يتبع