( 1)
أبعد من واشنطن، يذهب حماس لندن للحرب في أوكرانيا الموصوفة روسيا بالعملية العسكرية الخاصة.
لماذا تندفع بريطانيا طليقة الإتحاد الأوربي والسوق الأوربية المشتركة الى حد ان وزيرة الخارجية ليز تراس تجاهر القول” لن نتفاوض الا بعد هزيمة بوتين” في حين يغدق الانكليز ، الذين لم يعرف عنه الكرم، الأسلحة والأموال على كييف، وسط ممانعة وتردد دول القرار في القارة العجوز ؛ فرنسا والمانيا.
مع ان قمة السبعة الكبار في بافاريا الألمانية ؛ أظهرت صورا للوفاق والتفاهم بين المشاركين وأحاديث ونكات، بعضها يبز ما كان عضوا في المجموعة، فلاديمير بوتين، الا ان نتائج قمة بافاريا؛ عكست خلافا مزمنا حول الملف الاوكراني بين فرنسا والمانيا من جهة والجماعة الانغلو سكسونية من جهة اخرى.
لندن وواشنطن واتاوا، ينتمون الى حزب” النصر” الداعي الى هزيمة روسيا والقضاء على بوتين واستبعاد كل إحتمالات الحوار والتفاهم؛ فيما برلين وباريس تدعوان الى دفع كييف نحو تقديم تنازلات لموسكو والاعتراف بالامر الواقع وعدم حشر الكرملين في الزاوية وتقدير خطورة وقوة الدولة النووية.
على مدى شهور الحرب الاربعة، أتقن شولز لعبة تمييع الوعود مع كييف: فيما برع المصرفي ماكرون في اداراة حوارات هاتفية أو عبر الدائرة المغلقة مع بوتين؛ تزيد احيانا عن ساعتين. وتحولت احداها الى فلم وثائقي فرنسي.
لم تحمل لا المكالمات ولا الضغوط بوتين او زيلينيسكي على التراجع عن موقفين متعارضين تماما الى الان.
موسكو تواصل عمليتها العسكرية بريا في إقليم دونباس، محققة نتائج تدريجية، وكييف تصر على التصدي رغم الخسائر الكبيرة في العدة والعتاد، وترفض مجرد الحديث عن التفاوض.
لا يلتفت زيلينيسكي الى نصائح ماكرون وتنويهات شولز بضرورة التنازل ووقف القتال، ولا يهتم بوتين لمسلسل الحظر والعقوبات وقد تجاوزت الستة الاف؛ وتدك الصواريخ الروسية في اهدافا في كييف و خاركوف كل يوم تقريبا .
واذا صدقت الأرقام فان الخسائر البشرية لدى الطرفين تزداد يوما بعد يوم دون تحقيق مكاسب مهمة على الأرض تتناسب مع حجم التضحيات خاصة بين صفوف القوات الاوكرانية التي لا يخفي قادتها وفي مقدمتهم القائد الاعلى للقوات المسلحة فلاديمير زيلينيسكي،انها بلغت من ستين الى مئة عسكري في اليوم الواحد.بينما يحجم الناطق الروسي عن ذكر الخسائر.
الواضح ان الجهد العسكري الروسي يفوق القدرات الاوكرانية عشرات الأضعاف من حيث عديد القوات الروسية المشاركة في الحرب الطاحنة او لجهة العتاد والسلاح في بلدٍ يعد ثاني أكبرمنتج و مصدر للسلاح في العالم ويمتلك ثروات ووفرة في المصانع الحربية لا تقل عن نظيراتها الأميركية، وتتفوق في بعض المجالات .
لا يمكن للصادرات الأوربية الشحيحة الى أوكرانيا معادلة القوة الروسية المتفوقة. في حين تتأخر إمدادات السلاح من وراء المحيط وفقا لبرنامج المساعدات الأميركية السخي شكلا، المقيد باجراءات بيروقراطية ومشاكل لوجستية لا تضمن وصول المعدات الثقيلة الى الاراضي الاوكرانية ودخولها الخدمة قبل ان تعالجها الصواريخ الروسية الموجهة بالاقمار الصناعية.
ليس مصادفة ان ترتفع اصوات معروفة في الولايات المتحدة، تحذر من مغبة الاستغراق في وهم أنتصار أوكرانيا على روسيا،بتناسق مع دعوات ماكرون وشولز ومعهما الرئيس الايطالي دراغو، الى كييف بالعودة الى المفاوضات وتقديم تنازلات على الأرض.
ويعكس السياسي الثعلب هنري كيسينغر، راي النخبة التي توصف بالواقعية في المؤسسة الاميركية حين يدعو كييف، الى الرضوخ والتنازل عن إقليم دونباس بجزئيه لوغانسك ودانيتسك، والاعتراف بملكية روسيا لشبه جزيرة القرم والقبول بالهدنة .
تجدر الإشارة الى ان أراضي دونباس الزاخرة بالمعادن والثروات الزراعية والفحم، تمثل ربع مساحة أوكرانيا السوفيتية، وتعد أهم منطقة صناعية في الجمهورية التي يقول بوتين إنها دولة مرقعة لزّقها زعيم البلاشفة فلاديمير لينين من مقاطعات متناثرة.
في ضوء هذه المواقف المتباعدة بين دول القرار الأوربي والحليف الاطلسي، يبدو غريبا موقف لندن شديد الحماس لمبدا” النصر او الموت” ،لا سيما وان كييف تنصت لجونسون وليس لشولز وماكرون.
ماذا وراء الانكفاء الأوربي إزاء اوكرانيا والاندفاع الانكليزي الغريب ؟
يشيع تصور؛ تكرس اكثر بعد الغزو الأميركي للعراق، ان بريطانيا العظمى جرو في حضن الكلب الاميركي كما في الكاريكاتير الشهير على الصفحة الأولى لإحدى كبريات الصحف البريطانية يظهر الجرو توني بلير فاغرا فاه بوجه الكلب جورج بوش.
ان صورة البريطاني المهزوم في إمبراطورية ماكانت لتغيب عنها الشمس حتى أواسط القرن الماضي، يعكس الرؤية الراسخة للدور الأميركي المتعاظم في العالم على حساب تراجع بريطاني بدأ منذ فشل العدوان الثلاثي ( بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) على مصر عام 1956 وانسحاب بريطاني منتظم من شرق المتوسط تتوج بسقوط حلف بغداد وخروج العراق من منطقة الاسترليني على يد نظام الضباط الاحرار عام 1958.
بيد ان هذا الاعتقاد، لا يصمد كثيرا أمام تواتر الاحداث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار التحالف على ألمانيا النازية وكانت حكومة تشيرشل عصبا رئيسا في تشكيل ذلك التحالف الذي ضم الاتحاد السوفيتي، الدولة الشيوعية الأولى في التاريخ التي دعمت حركات التحرير الوطني في المستعمرات البريطانية السابقة، وقدمت لها السلاح ووقفت مع البلدان حديثة الاستقلال في المحافل الدولية.
وعلى مدى سنوات الحرب العالمية الثانية وتحديدا بعد دخول بريطانيا وتصديها لزحف جيوش الفوهرر في اوروبا؛ برز الدور القيادي لحكومة صاحبة الجلالة التي حصلت على مساعدات غير محدودة من الولايات المتحدة وتقاسمتها مع العدو الأيديولوجي الإتحاد السوفيتي بزعامة المارشال ستالين الذي حين اجتمع مع نظيريه الأميركي والبريطاني في يالطا ومن ثم في طهران، لم يخف إعجابه برئيس الوزراء البريطاني ونستون تشيرشل رغم كل المناكفات ذات البعد الايديولوجي معه.
سلام مسافر
يتبع