17 نوفمبر، 2024 11:20 ص
Search
Close this search box.

سر حماس بريطانيا للحرب في اوكرانيا( 4)

سر حماس بريطانيا للحرب في اوكرانيا( 4)

كشف استطلاع للرأي أجرته مجموعة دراسات مستقلة ان 72 بالمئة ممن شملهم البحث يؤمنون بان الولايات المتحدة المسؤول الاول عن اندلاع الحرب العالمية الاولى التي مرت ذكرى نشوبها المئوية منتصف الشهر.
فاجأت النتيجة الباحثين،ليس فقط لانها تنم عن جهل شبه مطلق بوقائع التاريخ في بلد قضى على الامية منذ عقود، بل لان المستبسرين،يذهبون بصورة جماعية نحو الفكرة الراسخة لدى غالبية الروس بان واشنطن تقف وراء كل مصائب الكون.

المعروف ان الولايات المتحدة؛ النائية وراء المحيط، لم تلعب دورا يذكر في الحرب العالمية الأولى التي اندلعت بين الامبراطوريات الأوربية القديمة ورسمت نتائجها خارطة القارة العجوز والشرق الأوسط واجزاء كبيرة من آسيا وافريقيا، وما يزال العرب يدفعون الى اليوم أثمانا باهضة لاتفاقيات سايكس بيكو وما تلاها.

ان روح العداوة الفطرية للولايات المتحدة ولبريطانيا،تولد مع مواطني روسيا وقبلها الاتحاد السوفيتي من خلال برامج التعليم التي سعت حكومة بوريس يلتسين الأولى الى تغييرها، وإعتماد المناهج الأميركية في المدارس وبعض الجامعات.
ولم يستمر المشروع طويلا، بسبب تحول فلاديمير بوتين عن نهج الشراكة مع الولايات المتحدة والغرب؛ اثر خطابه المدوي عام 2007 في مؤتمر ميونيخ للتعاون الأوربي وأعلن خلاله؛فك الارتباط مع مشاريع الشراكة والغاء ما كان مجلس روسيا- الناتو الذي بلغ من قوة التنسيق عامي 2002-2003 درجة ان بوتين صرح يوما برغبة بلاده في الانضمام الى المنظومة السياسية للحلف.
فسر الكرملين بعد سنوات تلك الرغبة بان الرئيس الروسي كان يخطط لاحتواء الحلف والحد من توسعه.
وهكذا فان أيديولوجية العداوة للغرب وزعيمته الولايات المتحدة، لا تقتصر على البعد الشيوعي، بل تتجاوزه الى بعد شعبي ثقافي يمكن وصفه بانه “فولكلوري” يمتد لعقود سحيقة اتسمت بمخاوف روسية متجذرة من الغرب الذي يتربص بروسيا ويسعى الى تقسيمها والاستيلاء على ثرواتها الضخمة.
ومع انه لم يعثر أحد على نص مكتوب او مقروء لوزيرة الخارجية الأميركية الراحلة مادلين اولبرايت ::
” على روسيا ان تتقاسم ثروات سيبيريا الهائلة مع العالم”؛ الا ان هذه المقولة تدور كدورة الأسطوانة في تصريحات ومقالات المسؤولين الروس بمن فيهم الرئيس بوتين الذي يرى في اولبرايت تجسيدا للمطامع الغربية الأميركية في روسيا.
فاذا كانت حقبة بوريس يلتسين، ازالت الغبار عن أطنان من الوثائق حول المساعدات الاميركية والبريطانية للاتحاد السوفيتي سنوات الحرب العالمية الثانية، فان فلاديمير بوتين كشف عن أطنان من وثائق المؤامرات التي حيكت وتحاك ضد روسيا خلال عقود الحرب الباردة وما تلاها، بل ان الرئيس الروسي اعلن في مقابلة جرت قبل عام ::
ان ضباط الاستخبارات الاميركية( سي اي ايه) كانوا يعملون في مكاتب الكرملين بعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي وانهم كانوا يقودون حكومات ما بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي عمليا .
لم يتفاجأ الروس بهذا الكشف في ضوء تصاعد حملة العداء الغربية والاميركية ضد روسيا والتي تجلت في مسلسل العقوبات وبلغت بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا زهاء السبعة الاف عقوبة تشمل مؤسسات وشركات وقيادات روسية ورجال أعمال وبنوك الخ…
ويحتل عملاء التاج البريطاني وحكوماته المتعاقبة موقع الصدارة في إدارة الصراع مع روسيا السوفيتية والاتحاد السوفيتي.
ففي ربيع العام 1940 وهتلر يسحق بجيوشه أوروبا العجوز، حلق من قاعدة الحبانية في العراق سرب من الطائرات لا تحمل علامات فارقة على أرتفاع منخفض، وطافت في أجواء باكو عاصمة اذربيجان السوفيتية، والتقطت صورا دقيقة لآبار النفط في الجمهورية الأكثر إنتاجًا للذهب الأسود ويعتمد عليها أقتصاد الاتحاد السوفيتي قبل اكتشاف منابع للنفط والغاز في الاراضي الشاسعة الاخرى للدولة السوفيتية.
ووفقا للوثائق فان بريطانيا، كانت تتسابق مع المانيا الهتلرية للاستيلاء على منابع النفط السوفيتي. وفي حال تعذر ذلك، وضع البريطانيون خطة متكاملة لحرقها على مدى عدة شهور، وتم تدريب مئات الطيارين على طلعات متواصلة،تلقي الاف القنابل الحارقة على أبار النفط وصولا الى تدميرها بالكامل.
و يقول المؤرخون إن القصف كان كفيلا باحداث دمار يعادل الخراب الذي اوقعته القنابل النووية الأميركية على هيروشيما ونكازاكي.
الملفت ان الدفاعات الجوية السوفيتية الضعيفة لم ترصد طلعات الاستطلاع البريطانية الا بعد عدة اسابيع من تحليقات منتظمة ، ساعدت في وضع خطة الحرق المدمر لصناعة النفط السوفيتية.
واذا كانت واشنطن على لسان الرئيس ترومان؛ قادت حملة أيديولوجية عالمية لشيطنة الاتحاد السوفيتي والشيوعية، فإن لندن كثفت من نشاطاتها التخريبية في الخاصرة الرخوة لروسيا؛ القوقاز وما وراء القوقاز، ومولت حركات قومية انفصالية ودعمت القوى الدينية المتطرفة، وقدم الإنكليز أنفسهم على انهم يدافعون عن حقوق المسلمين السوفيت؛ فيما كانوا يسومون مسلمي الشرق شتى صنوف الانتهاكات.
ركزت لجنة أمن الدولة السوفيتية نشاطاتها الخارجية على بريطانيا بالاضافة الى الولايات المتحدة، واستفادت من جاذبية الفكرة الشيوعية في الأوساط العمالية والجامعية البريطانية وتمكنت من تجنيد عدد من الجواسيس، تغلغلوا في عمق الاستخبارات البريطانية ، أبرزهم الجاسوس كيم فليبي الذي كان يرأس جهاز مكافحة التجسس في المخابرات البريطانية، وزود الكرملين على مدى سنوات بمعلومات لا تقدر بثمن مكنت الأجهزة السوفيتية من إحباط خطط تدمير الاتحاد السوفيتي من الداخل حقبة الحرب الباردة.
وقبل ان تكتشف لندن نشاطاته التجسسية لصالح السوفيت تمكن خريج جامعة كامبريدج من الهرب الى بيروت لتنقله باخرة سوفيتية الى أوديسا ومنها ألى موسكو؛ حتى مماته عام 1988 عن 78 عاما.
كيم الأسطوري كما تصفه الادبيات السوفيتية، هو نجل ( الحاج) جون فليبي، المستعرب ومستشار الملك سعود بن عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية وقد لعب أدوارا بارزة في حياة المملكة سنوات التاسيس.
وتعتبر ( مجموعة كامبريدج) أكبر صيد ثمين للاستخبارات السوفيتية التي نجحت في تجنيد خمسة من أفضل طلاب الجامعة الشهيرة ومن خلالهم وصلت الى أدق أسرار التاج البريطاني، حتى ان خروتشوف في زيارته التاريخية الى بريطانيا، ولقائه بالملكة إليزابيث وبعلها الأمير فيليب، لم يتورع عن إظهار مدى معرفته بالمطبخ السياسي الانكليزي، و أدهش الملكة ودوق إدنبرة وهما يستمعان الى لوذعياته من قبيل ( نحن نعلم وظيفة الدوق في الليل؛ ترى ماذا يعمل في النهار)!؟
وحتى قبل ان تصنّع موسكو آلاف القنابل النووية، لوّح خروشوف بضرب الجزر البريطانية وإزالتها من وجه البسيطة.
ففي حفل العشاء المقام على شرف الوفد السوفيتي، تسامر خروشوف مع الملكة ودوق أدنبره قرب المدفاة في احد أجنحة القصر الشهير.
وكانت الملكة اليزابيث تسعى لرفع الكلفة مع الضيف السوفيتي الرفيع في جلسة دافئة تخللتها الكؤوس.
أراد نيكيتا سيرغيفيتش خروشوف التباهي بقدرات بلاده النووية، وتحدث عبر المترجم مازحا::
تعرفين جلالة الملكة، جماعتنا حسبوا كم نحتاج من القنابل اذا قررنا إغراق الجزر البريطانية، فاتضح اننا لن نحتاج الا لقنبلتين صغيرتين!
ضحكت الملكة وتيبست الابتسامة في وجه فيليب،فيما تعالت قهقهة خروشوف في القصر العتيق.
كان ذلك ربيع العام 1956، حينها لم تكن موسكو تملك من الرؤوس النووية الا القليل جدا، كما كشفت الوثائق السرية بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي .
في خريف نفس العام وتحديدا في التاسع والعشرين من أكتوبر/ تشرين أول شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي على مصر لمعاقبة عبد الناصر على تاميم قناة السويس.
لم يستمر العدوان غير تسعة أيام، ليتوقف بعد الإنذار السوفيتي الشهير باسم إنذار بولغانين وكان حينها يراس مجلس السوفيت الأعلى ونيكيتا خروشوف رئاسة الوزراء.
كان بولغانين رافق الزعيم السوفيتي في زيارته الى بريطانيا وحضر معه حفل العشاء في القصر الملكي وتسامر جنبا الى جنب حول المدفاة مع صاحبة الجلالة وبعلها فليب.
مع اشتداد العدوان الثلاثي على مصر، بعث خروشوف برقية مشفرة الى سفير موسكو في لندن يأمره فيها بالتوجه الى الخارجية البريطانية فورا ويبلغ من يلتقيه ان على الملكة إليزابيث ان تتذكر الجلسة حول المدفاة وان ما قاله خروشوف بشان إغراق الجزر البريطانية ليس مزحة.
أوقف انذار بولغانين العدوان الثلاثي على مصر ودخل العالم والشرق الاوسط مرحلة جديدة عنوانها مد النفوذ السوفيتي نحو اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية ليس بالقوة الناعمة، بل والتلويح بالهراوة النووية.
قد لا يعيد التأريخ نفسه في زمن مختلف، بيد ان المواجهة ، تتحكم بسياسات موسكو مع الغرب وبروح العداوة والبغضاء تحتدم المجابهة.
سلام مسافر

أحدث المقالات