من منطلق منظور هذا العنوان يكون مغزى معرفة الوجود و مصير الحياة في الدنيا و كيفية العيش فيها. و هذا يجرنا الى التكلم عن العلم كمنهاج السير في حياتنا، و هذا هو في تصوري مبتغى وجوده، فنحن بنو البشر في هذا الكون، لنا ميزة لا نلاحظها في المخلوقات الأخرى التي تعيش معنا. ألا و هي ميزة التدبير والتسيير خلال مدة الحياة و لهذا تزودنا بدليل يحتوي على ” إلزامية التطبيق و المكافئة” فلا يعقل بتاتا أن نسير في الحياة هكذا بدون أي توجيه ولا معلومات، و إلا نلتحق بالمخلوقات الأخرى. و من ثم يكون محتوم علينا استعمال ما حولنا بواسطة هذه الميزة باستخدام الدليل و هذا ما تسير عليه معيشة الدهربصفة عامة.
فبقدر ما التزمنا بهذا الدليل كوفئنا، و بقدر ما تكاسلنا عليه عوقبنا. فهذه المكافئة أو العقوبة مرتبطة بالميزة الممنوحة لنا دون المخلوقات الأخرى. فكيف حينئذ نسير على منهاج هذا الدليل و مدى الالتزام به و معرفة تعاليمه ؟. لو نتأمل قليلا في أنفسنا و ما حولنا لأدركنا أننا كلما أخذنا سبيل التعلم أو العلم و الإطلاع و البحث، أدركنا أننا لا نستطيع الإحاطة بمغزاه ولا مفهومه ولا مبتغاه و إذا أخذنا مسلكه ما وصلنا إلى منتهاه ، إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، يا ليتنا ما تحملناه. [ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا] – الأحزاب 72. إنها عظمة العلم و قدسيته و أهميته و أولويته في هذا الكون و ما أدراك ما الأمانة و ما أدراك ما التكليف و ما أدراك ما الخلافة و ما أدراك ما العودة إلى المحاسبة في النهاية.
لو وصلنا إلى الحقيقة التي يتقبلها العقل البشري و المفروضة والمقبولة منطقيا على حسب مقدار عقولنا، أننا جئنا من العدم بسبب أب و أم، و العلم جاء لنا كمنهاج يسيرنا، إذا أخذنا به سعدنا و إذا ابتعدنا عنه تعسنا. فلا يحق لنا الكلام في أمور موجودة من حولنا و تفوق طاقة عقلنا فتُتْعِبنا و تشغلنا عن منهاجنا الأصلي. لهذا أعتقد، أن الأدوات الممنوحة في هذه الميزة (العقل) لا تسمح لنا أن نصل إلى الشمولية المطلقة. فمن المعقول البحث و الاجتهاد في حدود المقاييس الكفيلة و الممنوحة لنا بواسطة الدليل الذي أُعِدَ لنا و إتباع تعاليمه أي ( الكتاب و السنة).
“باسم الله” هذه الجملة التي هي الجوهر و المفتاح الوحيد الذي يسير بها الإنسان في الكرة الأرضية بأسرها وحتى خارجها إن وصل ذات يوم إلى التجول بعيدا في هذا الكون. ألم يكفي كل على ذو ميزة و تميز منا أن ما أمَرَ به مسير هذا الكون سبحانه جلا جلاله لبني البشر في بداية تعاليمه ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ “. فنتأمل في هذه السورة وفعل أمر “أقرأ” المكرر فيها. و لهذا بات و أصبح من الضرورة الملحة ترتيب الأمر على حسب ما يمليه الدليل لا على ما أرادت أهواؤنا فعله فتكون عاقبتها عرجاء و عقابها وخيم نتيجة الخروج عن السبيل المسطر.
فكيف يا ترى يجب علينا إدرك العلم و كيف نجعله أعلى مما سواه؟ الكثير منا يرى أن تحصيل العلم هو عن طريق الدراسة بمفهوم عصرنا الحالي و ما يتطلب من وسائل، ربما هذا مرتبط بتطور العالم المعاصر. لكن الغريب والعجيب في الأمر أن هذا الدليل أُنْزِل في بيئة خالية من أدنى و أبسط الإمكانيات و على رجل (ص) اختاره الله أميا لا يعرف القراءة و لا الكتابة و في مكان لا تجد فيه أي شيء كوسيلة تساعده إلا التحصيل في الصدور لإنه نزل ليُعْمل به لا ليكتب على الورق و يرتب في الخزانة (الدين المعاملة). أكيد أن كيفية التعلم أو كيفية استعماله لنسير حياتنا تتطلب نظرة أكثر شمولية مع الانتباه الجيد و الإدراك لما نتعلم و ما يفيدنا و يحمينا و يسعدنا. ولهذا يجب علينا فهمه و بالالتزام و العمل به أكثر فأكثر، وإلا يكون العمل أبترا، فالأخذ به لا يتطلب منا جهدا، و مما يلفت الانتباه أن هذا الدليل الذي بواسطته تسير حياتنا البشرية نأخذه بأبسط صورة في أي مكان و زمان و أي وضعية نكون فيها. المشكلة في النهاية هي أننا ملزمون بالأخذ به وإلا سيكون العقاب.
قول أهل الدراية و البصيرة من سمات العلم النافع، الخشوع والعمل المفيد و الورع المزكِّي للقلوبِ و الأرواحِ و الاعتقاد الجازم المطابق للواقع. لابد أن نفرق بين الأمرين، فالعلم النافع هو الدليل المقدس الذي تسير به البشرية كاملة متكاملة لا ريب فيه ولا تحويل ولا تبديل منزل للبشرية لتسيير حياتها، قال تعالى”الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ – البقرة(2)” أما الأمر الثاني فهو اجتهاد المخلوق في البحث في المخلوقات المجودة من حوله و هذا غالبا ما يكون منقوصا لأنه اجتهاد فقط من تطور الإنسان و تطلعه للأحسن و هو مفيد للإنسانية إذا لم تبتعد عن الدليل، يقول قائل كيف يمكن إن لم نخبز أو نحصد أو نزرع أن نعيش مثلا ؟ العلم النافع يرشدك لأخذ الاجتهاد في الأسباب أما معيشتك موجودة طول حياتك لم تنقصها ذرة و هي مخلوقة من أجلك. ويقول عز من قائل (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)- الكهف (7)، فعلى حسب اجتهادك تكون النتيجة إذا استعملت العلم النافع نجوت و سعدت وإن ابتعدت عنه تعست.
لنرى و نعتبر في حالنا اليوم مثلا، جائحة الكورونا 19 كمثال من بعض الآيات و ما أكثرها في تاريخ الإنسانية. أن كل العلوم الوضعية التي اجتهدت فيها البشرية لم تغنيها من الله شيئا، ربما لأنها ابتعدت عن الدليل و العلم النافع و الخروج على طاعة الخالق (و مَنْ تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه). و كأن هذه الظاهرة تُنَبِه الإنسان إلى إعادة النظر في الاجتهاد والتطور في الحياة، و في النهاية لا يفلح إلا من سلك منهاج الدليل المرسوم لنا. و لهذا فرض علينا إدراك العلم و العمل به. ومن باب مخاطبة الذات و رجوعها بتأني في وحدانية و طمأنينة، نجد العلم النافع وكأنه أكسجين نتنفسه في كل وقت و في كل عمل صالح ينفعنا في حياتنا اليومية. أما الاجتهاد فذلك العلم الذي تهيئ له الأسباب من المادة والبحث عنه.