سامراء عاصمة المجد العربي الإسلامي المتألق الخفاق في أرجاء الدنيا , التي إمتطت ناصيتها وكانت رايتها ومنطلقها نحو آفاق الإبداع الحضاري الإنساني السامق الوهاج.
سامراء الساطعة على ضفاف نهر دجلة الخالد الرقراق منذ أن بدأت المياه بالجريان في بدن التراب , وانبثق الزرع والشجر , وتكلم الجمال بلسان فعله وزهو بهائه ونضارة روحه وفكره.
وهي تبعد مئة وثلاثين كيلو مترا إلى الشمال من أختها الماجدة بغداد المنصور والرشيد والمأمون.
وقد بسطت سامراء جناحيها على أقاليم الدولة العباسية الممتدة من تونس حتى وسط آسيا.
وفي المدينة إبتكارات هندسية فنية عمرانية تطورت وانتقلت إلى أقاليم العالم الإسلامي بأسره , بل وتم تجسيدها في عمارة الحواضر الإنسانية كافة.
فثورة العمارة السامرائية قد غيّرت معالم العمارة في أرجاء الدنيا , وترسخت شواهدها في أوربا والأندلس وباقي مدن العالم التي عاصرتها وتعلمت منها.
وقد تجسدت تلك الإبداعات العمرانية وسطعت في زمن الخليفة العباسي المتوكل , الذي كان مغرما بالقصور والبناء , فاستحضر عقول الدنيا إلى المدينة , وإستولدها ما لم يكن مسبوقا من الطرز العمرانية, التي تجسدت ذروة إبداعها في الجامع الكبير ومنارته الملوية , الذي تفوق بجماله وروعة بنائه على الجامع الكبير في قرطبة , والذي بدأ ببنائه عبد الرحمن الداخل (صقر قريش).
هذه الإضافات العمرانية الأصيلة , لازالت لم تدرس بتوسع من قبل أبناء المدينة , وهناك أمية عمرانية مروعة أدت إلى الإنغماس في بناء البيوت والعمارات , المنقطعة تماما عن تراث المدينة المعماري بفنونه وهندسته وريازته الأخاذة.
فالعالم بعدد من معاهده ومدارسه وجامعاته يدرك قيمة تلك الإضافات العمرانية للحضارة الإنسانية , ويتم البحث فيها ودراستها وتوثيقها والتعلم منها , وهناك معاهد متخصصة , وباحثون منغمسون في التراث الحضاري السامرائي.
ومن غرائبنا العجيبة , أن الآخرين يكتشفون آثارنا , ونحن الغافلون عنها , وربما نعاديها ولا نعرف قيمتها.
وأول المنقبين عن الآثار في سامراء هو المستشرق والآثاري الألماني إرنيست هرتسفيلد , وقد نقب فيها في الأعوام 1911-1914 , وجمع ما جمع وكتب ما كتب , وأصبحت أعماله بمعرض (فرير وأرثر) في واشنطن , مصدرا ثمينا وأمينا لدراسة ثورة العمارة السامرائية.
وقد عثر فيها على تمثال لإمرأة يعود لستة آلاف سنة قبل الميلاد , مما يشير إلى أن سامراء كانت لها حضارة قبل سومر وأكد بمئات السنين , وأكثر تقدما منهما.
وهناك معاهد بريطانية متخصصة في شأن مدينة سامراء , ومهتمة بالكشف والبحث عن آثارها والتنقيب عما فيها من كنوز معرفية وحضارية نادرة ومتميزة.
كما أن الأساتذة البريطاني ديريك كينيت والفرنسي ألاستير نورثج من المهتمين الكبار بتأريخ المدينة وآثارها.
وقد أدركت منظمة اليونسكو قيمة المدينة وجعلتها من الإرث الحضاري الإنساني الثمين , الذي من الواجب المحافظة عليه والإهتمام به والعناية الفائقة بمعالمه وصيانتها , لأنها كنز نادر لا يمكن أن نقديره بثمن.
وأعلنتها في الثامن والعشرين من حزيران عام ألفين وسبعة , إرثا حضاريا إنسانيا عالميا وذخرا للأجيال.
وفي عام 1934 كتب عنها الكاتب جون أوهارا روايته ذائعة الصيت “موعد في سامراء” والتي لازات ذات مقروئية عالية , وكتب عنها البير كامو والكاتب غاربيل غارسيا.
وتقع على عاتق مثقفي مدينة سامراء ترجمة هذه الأعمال العالمية عن مدينتهم.
واستُحدِثت في سامراء كلية للآثار , أملنا أن تعّد أجيالا من المتنورين بحضارة المدينة وقيمتها الإنسانية , ومن المنقبين عن نفائسها الحضارية , التي سيبهرون بها الدنيا , ويطلقون ما في المدينة من درر أثرية غالية متميزة.
درةُ التأريخ يا مجدَ الْعُلى
وسَنى الروحِ الأصيلِ الأمثلِ
سرّ مَن نالتْ بهاءً ساطعا
وزهى فيها بديعُ الأجملِِ
أنتِ عنوانٌ لأمٍ قد رأتْ
وأجادتْ بالرقاءِ الأكملِ