في عام 1989 اندلعت الثورة في رومانيا ضد الديكتاتور نيكولاي تشاو تشيسكو، وفي غضون أسبوعين تم إسقاط نظامه الاستبدادي، فعمت الأفراح بهذا النصر, ضد حاكم أذاق شعبه الويل والحرمان طيلة 24 عاما بنظام شيوعي, ولكن هذا الانتصار الشعبي لم يدم طويلا حتى استولى تيار سياسي مكون من رجالات نظام تشاوتشيسكو على السلطة، فسرقوا جهود المنتفضين، وخدعوا الشعب عبر محاكمة عناصر في محاولة لذر الرماد في العيون.ما يحدث في العراق “قد” يكون شبيها بالحالة الرومانية، فبعد أن هب الشعب ثائرا متوحدا متكاتفا بأطيافه ومكوناته، بمختلف مستوياته الفكرية والعقائدية في مشهد يفرح الروح, كاسرا حاجز الصمت والخوف واللامبالاة، مطالبا بحقوق مشروعة, منتفضا ضد سوء استخدام السلطة، والفساد الذي نخر جسد البلد, ومتذمرا من تردي الأوضاع, انبرى أركان السياسة الفاشلة وأنصار المحاصصة المقيتة، في محاولة لسرقة هذه الصحوة الجماهيرية، وهذه الجهود؛ بذريعة الإصلاح الذي غاب عن أقوالهم، وأفعالهم، وممارساتهم طيلة ثلاثة عشر عاما الماضية، مدافعين عن الفاسدين والسراق والفشلة؛ من أبناء أحزابهم وكتلتهم ،ولأجل مصالحهم, تاركين البلد يقبع في مقدمة دول الفساد في العالم, فخسائر العراق في الأعوام الخمسة الأولى فقط تلك التي أعقبت إسقاط النظام المباد بحسب هيأة النزاهة نتيجة الفسادين الإداري والمالي بلغت 250 بليون دولار (أكرر 250 بليونا) عبر شركات وهمية، ومشاريع حزبية.هذه ليس دعوة لإحباط المعنويات، ولا لتثبيط العزائم، ولكنها دعوة لقراءة واقع يؤكد أن (فاقد الشيء لا يعطيه), فساسة البلاد البارحة، كانوا يتقاسمون المناصب وغنائم السلطة فيما بينهم، واليوم هم قادة إصلاح ومكافحة فساد .. كيف يعقل هذا؟!, فقد ورد عن أمير المؤمنين علي “ع” أن: “الاستغفار هو الندم على ما مضى، والعزم على ترك العودة إلى الذنب، وتأدية حقوق المخلوقين”، فلم نسمع تنديدا أو دعوة إلى إصلاح تجاه أي ممارسة من أتباعهم الوزراء والمسؤولين بل لم نسمع باستقالة أحدهم في أسوء الأحوال, على الرغم من أن أوضاع البلاد مازالت تسوء يوما تلو آخر.إن المطلوب من جماهيرنا المنتفضة التحلي بالوعي السياسي، إذا ما أرادت التغيير الحقيقي، وأن لا تنطلي عليها دعوات الفاشلين، ولا الحلول الترقيعية التي تأتي نتيجة قرارات ارتجالية، وإنما يجب وضع حلول جذرية, فالكهرباء، والفساد، والماء، وأزمة السكن، والبطالة، تراكمات وليدة نظام المحاصصة المقيت، و سوء استخدام السلطة, وضرورة اعتماد نظام الأغلبية المعمول به في أغلب الدول المتقدمة, الذي يفتح الطريق أمام صعود الأكفياء، والأصلح، وإيجاد معارضة بناءة؛ كحل للخروج من دوامة الانحدار التي تعيشها البلاد.