إلى من سرقت أسم ليلى العطار
سرقت ْ أسمها وصورتها
هل سرقت ْ رعشة َ الموت ِ منها ؟
هل سرقت ْ المطر َ من نومها
نجمتها أحلامها بهجة َ ألوانها
وذلك الليل الخرافي الراقد َ في عينيها ؟
ماذا عن يدها التي ترسم ُ غابة ً تغفو
في مرآة امرأة ٍ حالمة ؟
هل فكرت ِ بالأشباح ِ التي كانت تزورها
التي ربما تغفو معها
التي تبتسم ُ وتحتمل ُ معها الوقت ؟
هل سرقت ِ الفراشات ِ من غرفة نومها
العصفور َ وهو يسافر ُ معها في سماء ٍ واحدة ؟
هل رأيت شرودها
جلوسها على مصطبة الوحدة ِ
يراودها النهر ُ فوق سرير الإنتظار ؟
ليلى شاعرة ٌ تغتسل ُ الشمس ُ
في ظل ريشتها
يبتهج ُ الماء ُ لعريها
تضحك ُ كي تتفتح َ الزهور ُ في بغداد
وتغدو الحجارة ُ عذراء َ
كنهد ٍ نحتته ُ أصابع ٌ ماهرة .
يوميات معتقل تدمر الصحراوي السعيد
علوان حسين
في الباحة السادسة حيث تـُنتصب ُ المشانق ُ كل أسبوعين وفي أوقات الكثافة كل أسبوع أمام البوابة السوداء لمهجعنا يسمونه مهجع الندوة . كان نصيبنا التلصص من شقوق البوابة إلى ما يجري خلفها من حركة دائبة لعناصر البلدية في تحضير أعمدة المشانق والحبال الغليظة ثم يأتي دور الرقيب الأول حاملا ً معه قائمة بأسماء تعسي الحظ يقادوا من الصباح الباكر فرادى أو جماعات إلى باحة الموت . يذهبون إلى تلك النهاية الفاجعة بهدوء وصمت ٍ ونحن خلف الجدران جالسين وكأن فوق رؤوسنا الطير بعضنا يزدرد لقمته بصمت , آخرون عافت أنفسهم الطعام فلبثوا مع أنفسهم ذاهلين . طبعا ً مع مرور الأيام والشهور والسنين كنا قد إعتدنا المشهد وفقد الموت رهبته عند البعض لكن الخوف من ملاقاة ذلك المصير والتدلي من حبل المشنقة عشناه في اليقظة وفي الأحلام . تمر أيام كثيرة لا أستطيع فيها الضحك لنكتة يقولها أحدهم . تقلقني الأعداد المتزايدة للمحكومين بالإعدام من أين يأتون بكل هؤلاء الضحايا وكيف لا يفرغ السجن من ساكنيه ؟ كنا نحصي أعداد الذاهبين إلى حتفهم حيث يصل الرقم إلى مئتين كل أسبوعين تقريبا ً , كل هذا والمعتقل مزدحم والمهاجع تكاد تختنق بالسجناء . سرت إشاعة في السجن بأن حافظ الأسد شخصيا ً يشرف بنفسه على حفلة الإعدامات . رئيس المهجع أقسم بأغلظ الإيمان أنه رأى بأم عينيه التي سوف يأكلها الدود رئيس البلاد جالسا ً على كرسي ٍ وثير وأمامه على الطاولة فنجان قهوة وكأس ماء وقد جلبوا له خصيصا ً باقة ورد ٍ تضفي على نشوته متعة ً قصوى وهو يبصر ضحاياه يلاقون المصير الذي رسمه لهم .
وسط تعاستي وحزني الشديد كنت أتخيل الرئيس السعيد جالسا ً يرشف قهوته بمتعة وأمامه باقة ورد ٍ ومشنقة يتدلى منها إنسان كان قبل لحظات في كامل فتوته وأحلامه وحياته التي قُطفت منه في لحظة ٍ شاءها الرئيس السعيد لحظة بهجة ٍ يخالطها الموت . كنت أتساءل كيف تواطأ الموت مع الرئيس الذي مثل دور القاضي وكيف غابت حقيقة الموت ومعناه وهل يحتاج الإنسان إلى مجرد فكرة مغايرة تذهب به إلى حيث ينتظره رجل بكامل قيافته وبطشه وقسوته ليرسم له شكل نهايته ببساطة كما يرشف قهوته بالضبط ؟ هل يحتاج الموت إلى فنجان قهوة ؟ وهل أشعر أنا الناجي من غفلة الموت بالسعادة ؟ يا لها من سعادة ٍ قاسية .كم من الجثث مرت من أمامي وكم من الموت رأيت وكم صور الأحياء الموتى ظلت عالقة في ذاكرتي , من ينتشلني من هذا القبر ؟ ثم كيف أعثر علي َ من بين ركام الموتى ؟ لو فقط هناك محكمة وقاض وعدالة , ضحكت من نفسي لتخيل فكرة العدالة ونحن في تلك الصحراء المقفرة وسط قطيع الضواري ومشهد تل الجثث موضوعة فوق بعضها عارية ً تماما ً من الثياب والأرواح بالطبع وحلقة من الشرطة العسكرية وعناصر البلدية تقيم دبكة فرح وسط التهليل كأنهم في زفاف جماعي لسجناء معتقل تدمر الصحراوي السعيد .