26 نوفمبر، 2024 12:39 م
Search
Close this search box.

سرقات قانونية

قبل فترة من الزمن كنت أشاهد القنوات الفضائية ، من خلال شاشة ( التلفاز ) ، وهو بالمناسبة من النوع الذي عفى عنه الزمن ، ويكاد يصرخ أعتقني لوجه ( الله ) سبحانه وتعالى . كانت اغلب متابعاتي للقنوات الأخبارية ، وكالعادة كانت اخبار العراق لها حصة الأسد . وبعيدا عن الحالة الأمنية ، والسيارات المفخخة ، واخبار البرلمان العراقي ، ومصادقته لأهم القوانين المتعلقة بالموافقة على القانون الدولي بعدم غزو الفضاء ، والامتناع عن صيد ( الزوري ) في أيام تكاثره ، وبعيدا أيضا عن استيلاء ( داعش ) على ربع أو نص ربع ( العراق ) بين ليلة وضحاها ، أو حرائق الغابات والوزارات والمصارف ومؤسسات الدولة ، بشكل شبه شهري ، من دون القاء القبض حتى هذه اللحظة ، على المجرم المسمى ( التماس الكهربائي )  والذي يمارس عملياته الأرهابية بحرفية ودقة ، خاصة في حرق أقسام ( الوثائق والعقود ) ؟! بل أن شهرته وأرهابه وأختصاصه ، نافست أو تكاد حتى الزرقاوي والبغدادي ،في أختصاصهم بقطع رؤوس الأبرياء ؟!. المهم كان هناك برنامج عن الأقتصاد العراقي ، وما تم نخصيصه من أموال ضئيلة نسبيا في موازنة هذا العام ( الفكر ) قياسا للأعوام السابقة ، في كل مجالات وأبواب الصرف الطبيعية . أبتدأ البرنامج بتقرير عن الأموال الهائلة التي دخلت الى ( قاصة ) العراق في السنوات الست أو السبع الماضية ، نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار النفط العالمية ، والذي تجسد في رفع المستوى المعاشي للمواطنين ( المسؤولين ) وكذلك توفي الأف فرص العمل لأقرباء أو أصدقاء المواطنين ( المسؤولين ) ، وبناء مدارس نموذجية ، مدة صلاحية بعضها سنة واحدة ، ليعاد هدمها أو ترميمها مرة ثانية، بشكل تام أو شبه تام ، على يد نفس ( المقاول ) من أقرباء أو أصدقاء ( المورقين ) للسادة المواطنين ( المسؤولين ) . وكذلك لم ينسى التقرير أن يشيد بالوان الطلاء الجميل الذي غطى وجه

أرصفة شوارع بغداد ، التي هي بدورها رصفت للمرة العاشرة منذ سقوط النظام ( الساقط ) في سنة 2003 ؟!. كان ضيف البرنامج متفائل جدا ، حيث أنه بشر الشعب العراقي بعودة سريعة لأرتفاع أسعار النفط العالمية ، المصابة بمرض ( الهزال ) ، وتعافي الأسعار الى درجة قد يصل معها برميل النفط ( المصخم )الى ( 100) دولار أو أكثر( شوية ) ، فقلت في نفسي ( أستفاد ) ؟! وهكذا تراقصت المليارات أمامي ، وبدأت أحلم من جديد ، كرجل رومناسي دخل مرحلة المراهقة المتأخرة في سن الخمسين ، لانها فاتته ولم تمر به في عز شبابه ، بعد ان سمع بضرورة ممارستها كحق مكتسب ( ديمقراطي ) . حلمت بزيادة الراتب ، الذي سأحاول أن أدخر قسم منه في ( قوطية ) الحليب ،التي احتفظ بها فارغة منذ سنوات خلت ، ومن هذا المبلغ المتجمع سأشتري بيتا ، أو حتى شقة ، لأتخلص من ألايجار وصاحبه . نسيت للحظات الواقع المر ، ولكن لم يستمر حلمي طويلا ، فقد أفقت ثانية من غفلتي ، وعدت من عالم الخيال في المدينة الفاضلة ، الى عالم الفساد الإداري والمالي والسياس وووو الخ …. ؟.
عالم عجيب ، عالم يلعن الجميع أبو الفاسدين والمفسدين ، الكل فيه يلعن هؤلاء ( الأوغاد ) المجرمين .هم ملعونون على لسان أصغر تلميذ في مدرسة أبتدائية ، الى أكبر مسؤول في ( الخضراء ) الغالية ؟!.
اذن من سرقنا ؟ هل هم رجال من ( الجن ) ، أو ربما أخوة لنا في العروبة من سكان ( دارفور ) ، أو هم ( الفضائيون ) الذين كثر الحديث عنهم في هذه الأيام ، خاصة بعد انكشاف غزوهم مؤسسات ودوائر الدولة باعداد هائلة ؟!. كان صوت ضيف البرنامج عاليا وهو يحذر من أستمرار الفساد ، الذي أنهك و( خرب ) البلاد والعباد ، في بلد يحكم فيه على أمرأة لديها صبية أيتام سرقت ( قنينة ) غاز ، بالسجن مدة ( 15) سنة ، لإنها مجرمة ، ويجب أن يطبق عليها القانون ، حتى وان كان ماسرقته ضرورة اضطرتها اليه الظروف ، لعمل رغيف خبز لأيتامها الجوعى ؟!.
بلد يسرق في وضح النهار ، بمسميات شتى ، مناقصات ، مزايدات ، تجهيزات ، ترميمات فنادق القمة العربية ، أو أحتفالات بعاصمة الثقافةالعربية ، أو .. أو .. بل ان بعض السرقات القانونية   التي سمعت بها تستحق ان توضع في كتاب ( غينس ) للارقام القياسية ، باعتبارها أغبى وأقذر سرقة عالمية ، مثلما حصل في مناقصة لتجهيز مدارس أحدى مديريات التربية في بغداد ب ( أباريق ) ماء لحمامات مدارسها ، وبكمية
كبيرة ، وحتى يفهم الجميع عن ماذا أتكلم ، أقول بلهجة أهلنا ، نتكلم عن  ( أبريج مال تواليت ) ، لقد أرتقى هذا اللعين مرتقا ( صعبا ) كسعر ،  ووصل الى رقم خيالي ، حيث تم تسعيره ب ( 10000 ) دينار ، باعتباره مصنوع من مادة غير قابلة للانفجار ؟!. ومع ان العملية كشفت بحمد الله بعد خراب ( أبو نواس ) إلا ان الحق يقال ، فلقد أعيد مايقرب (1% ) من المبلغ ( المنهوب ) ، وعلى هذا فقس ، ومن هذا فافهم ؟.
أيها السادة : أين أموالنا ؟ أين فلوس نفطنا ؟ أين صرفتم الميزانيات الأنفجارية السابقة ؟ أين فوارق سعر البرميل الواحد ، التي لو حسبت فقط على مدار السنوات السابقة ، لشكلت موازنات لثلاث أو أربع  سنوات قادمة ؟ أين أموال المحافظات الساخنة ( الأستثمارية ) ؟ أين أموال الوزارت أو المحافظات التي بشهادة الجميع ، لم يصرف منها الى نسبة بسيطة على مدار السنوات الماضية ؟. اليست هذه الأموال أمانة في أعناقكم ، اليست هي أموال المواطن العراقي ،عربيهم وكرديهم وتركمانيهم ، مسلمهم ومسيحيهم ، غنيهم و ( الله يرحم فقيرهم ) . أيها الناس : لست أستغرب أن يضحك السارق ، ولكني أتعجب أن لايبكي أو يصرخ المسروق ؟. إنها لغز يحتاج الى ساحر متخصص كي يفك لنا طلاسمه ؟.

قال لي احدهم يوما : ” إن كل نفوط العالم يزداد سعرها إلا النفط العراقي ؟ ” فأجبته مستنكرا قوله ( ليش نفطنه ستوك لو بآلة ، لو محوسمينه ، حتى أنبيعه رخيص ) فجاء جوابه لي صاعقا ” اذا كان نفطنا مشمول بالزيادة ، لعد خويه وين فلوسه ، شو الحصة بالناقص مو بالزايد ، والكهرباء دفناها بالصيف على أيدينا ، والماء أبشرك صار ببطاله ، وداعتك اذا زاد سعر النفط ، أو نقص هلكة لكة ” عندها تذكرت قول أحد العلماء الأفاضل : ” أن كل الشعوب تفرح اذا زادت أموالها وميزانيتها ، الى الشعب العراقي يحزن ، لأن لسان حاله يقول راح يكثر البوك ) ؟؟؟! .

[email protected]

أحدث المقالات