الواقع مقيّد بكلمات سرطانية الطباع , تنطلق من الأفواه والأقلام , وتتسيد في وسائل الإعلام , فتتسبب بتداعيات وإنكسارات ودمارات هائلة , نفسية وفكرية وروحية وأخلاقية , وتؤلب الآخرين على شن العدوان على الناس المرتهنين بهذه الكلمات.
فواقعنا كلامي الهوى صوتي الخصال , ويجهل قيمة الكلمة ومؤثراتها وواجباتها ورسالتها ودلالاتها وما يقترن بها من المشاعر والعواطف والأفعال.
فمجتمعات الدنيا المعاصرة لا تفصل بين الكلمة والفعل , وترى أن الكلمة تشير إلى فعل أو تدل على أن فعلا ما سيحصل , ومجتمعاتنا ترى أن الكلمة مجردة وهي الفعل الخالص وحسب.
ولهذا تجد رواج الكلام عقب كل مواجهة مصيرية أو نكبة محلية أو وطنية , فلا نجيد غير الكلام الذي لا يطعم من جوع ولا يؤمّن من خوف.
ولو تصفحتم المواقع والصحف بأنواعها لوجدتم درجة التشابه العالية بل والتطابق التام فيما تتناوله من موضوعات , وبذات النمطيات المتكررة المعمول بها منذ عقود , وما نفعت ولا طببت أو أسهمت بإنارة سلوكية ذات قيمة علاجية وتصحيحية.
نمطيات بكائية تلاومية إسقاطية تبريرية تسعى للإعفاء من المسؤولية , وإكالة الإتهامات والتوصيفات التدميرية التي تسوغ القيام بما هو أشنع وأفظع من الذي حصل , ولهذا تجدنا ندور في حلقة مفرغة من المرارات والإندحارات المتزايدة الخسران والإمتهان.
والأمثلة كثيرة ويأتي في مقدمتها إنطلاق شعر الرثاء والتفجع والنحيب والفقدان , فتسود الصحف ووسائل الإعلام الرثائيات التي نحسبها إنجازات نتباهى بها ونكون , وهي تبديد للجهود والطاقات , فالمجتمعات الحية لا تواجه التحديات بالولولات والإنتحابات والمرثيات , إنها تواجهها بالعقل المتنور الدارس العليم , الذي يبحث في المسببات ويضع الحلول وبرامج المواجهات لمنع تكرار الويلات.
فهذه حالة سرطانية ستقضي على الوجود الوطني والإنساني في مجتمعاتنا , وعلينا أن نتصدى لها ونجتهد في إبتكار القدرات الكفيلة بتنمية العزيمة الوطنية والإنسانية , وتوظيف العقول وتفعيلها في أوعية جماعية متنورة , لتكون مقتدرة على الإمساك بحلول المشكلات.
فإلى متى سنهمل قيمة الكلمة وتأثيرها , ونتجاهل ضرورات إستعمالاتها الإيجابية , لكي نخرج من أنفاق الضلال والبهتان التي حشرنا الأجيال فيها؟!!