23 ديسمبر، 2024 6:34 ص

سذاجة انقرة … وشيطنة واشنطن…ومصالح موسكو

سذاجة انقرة … وشيطنة واشنطن…ومصالح موسكو

عملية اسقاط الطائرة الروسية سو -24 (في الاراضي السورية )كما ذكرها بيان الناتو في 3-ديسمبر-كانون الثاني ، كانت لها نتائج غير متوقعة تدل على القرصنة الخاطئة التي وقعت فيها الحكومة التركية وكشفت ورقة لعبها في ايجاد القوى الارهابية وتوسعت في دعمها . كما ان روسيا الان اصبحت في حالة الدفاع عن مصالحها بعد ان تيقنت خطورة الاوضاع السائدة عليها كما ذكر ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل صراحة حيث اكد على ان الارهابيون ((المتمركزون في سوريا خطرا خاصا بالنسبة لنا، علما أن بينهم عددا كبيرا من المتطرفين المنحدرين من روسيا وجمهوريات رابطة الدول المستقلة التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي السابق . إنهم يحصلون على الأموال والأسلحة ويعززون قدراتهم. وإذا زادت قوة هؤلاء، فسيتغلبون هناك (في سوريا)، ومن ثم سيتوجهون إلى ديارنا حتما، لكي يزرعوا الخوف والكراهية ويدبروا تفجيرات ويقتلوا ويعذبوا المواطنين) )لقد قادت تركيا المعركة بواسطة أدواتها ونظمت قواهم وقدراتهم وانطلقوا جميعاً وراء مصالح كثيرة مشتركة لتحقيق أهدافهم المختلفة، صحيح أنها أعطت إشارة بدء الحرب, لكنها تعلم جيداً الان مدى صعوبة المهمة وبدت غير واثقة من نجاحها فيما اقدمت عليه بعد ان وقفت الدول المتحالفة معها في موقف المتفرج من ما يجري في المنطقة والفخ الكبير الذي تورطت بها انقرة في اشعال شرارة نار لاتخمد بسهولة .

وفعلاً فتحت التصريحات الرسمية الروسية الباب أمام بعض التكهنات التي تحدثت عن احتمال نشوب مواجهة عسكرية بين روسيا وتركيا، وبلاشك إن تلك التكهنات غاية في السذاجة، فالحديث عن مثل تلك المواجهات يعني مواجهة بين روسيا وحلف “ناتو”، كون تركيا دولة عضوة في الحلف، الأمر الذي دفع مسؤولين ومحللين روس إلى اعتبار أن إسقاط الطائرة “سو-24” بمثابة فخ كان ينصب لروسيا .أن شركاء تركيا في حلف شمال الأطلسي، لن يسمحوا لتركيا بتوسيع مغامراتها ، لأنها ستدخل إلى مستنقع مجهول وحرب لا اول لها ولا اخر،  بهذا اعلنت الناتو عن طريق أمين عامها ، ينس ستولتنبرغ، للصحفيين في 2 ديسمبر/كانون ا  (إنه لا يستبعد عقد اجتماع لمجلس روسيا — الناتو، مشيرا إلى أن “الناتو قرر وقف التعاون العملي مع روسيا منذ بداية الأزمة في أوكرانيا. إلا أننا قررنا أيضا المحافظة على الحوار السياسي بين. مجلس روسيا — الناتو وهو جزء من الحوار السياسي الذي لم ينقطع أبدا”) ( لتفادي وقوع ما يستحيل التكهن بنتائجه مثل ما حدث لطائرة “سو-24” الروسية التي هاجمها الطيران العسكري التركي في 24 نوفمبر/تشرين الثاني في سماء سوريا ).

ورحب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “إذا سمحوا للسيد ستولتنبرغ أن يقدم هذه المبادرة فسوف نجتمع ونسمع ماذا يريد الناتو أن يقول لنا”.

لقد اتخذت القيادة التركية قراراً بالهجوم على سورية والتي اضرت بالمصالح الدولية والتوازن الدولي واضرمت النار في سياسات بلدان المنطقة وقلبت الموازين وهي  نتيجة السياسة الأمريكية التي قامت بالتدخل في العراق، بل نتيجة الازدواجية  السياسة التي انتهجتها سلطات الاحتلال الأمريكية وخسرت في حساباتها، فقد أوقع التدخل الأمريكي العراقَ في حالة من الفوضى، وأخلّ تماماً بحالة التوزان في هذا البلد، و قادت الى صدامات دموية ما بين ممثلي المذهبين الأساسيين: الشيعة والسنّة وشجعت على الطائفية من خلال دعمها لوجوه سياسية معروفة بطائفيتها وقد اتهمت الدبلوماسية البريطانية السابقة إيمي سكاي، وزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلينتون بالمساهمة في الانهيار الحاصل بالعراق بعد ادارتها لوزارة الدفاع الامريكية لأربع سنوات قبل توليها للخارجية الامريكية كما كانت كلينتون قد اعترفت بدور واشنطن في تشكيل القاعدة في افغانستان ضد الوجود السوفيتي .وساعدت واشنطن على ازدياد تعداد المسلحين على نحو متسارع، حيث وكلت لانقرة بفتح مطاراتها وحدودها لانضمام “التكفريين” الجهاديين من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وأمريكا وأستراليا، للانظمام  بـ ” الدولة الإسلامية”، باعتبارها ” فريق المنتصرين”، حيث كانت تضم الكثير من مقاتلي ” الجيش السوري الحر” و” جبهة النصرة” المرتبطة بتنظيم “القاعدة”.والذي تشعبتمنها ( داعش ) ووفق بيانات وكالة الاستخبارات الأمريكية، فإنه خلال الأشهر الثلاثة الاولى التي أعقبت إعلان ” الدولة الإسلامية” عن نفسها بالاستيلاء على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية وغيرها من الأراضي، فإن عدد مقاتلي هذه ” الدولة الإسلامية” ارتفع بمقدار ثلاثة أضعاف، وتجاوز 30 ألف شخص.على اساس الإيديولوجي الداعي إلى تأسيس دولة الخلافة فوق جميع الأراضي التي يقطنها السكان المسلمون بكثير من الأنصار، غير أن عدداً من البلدان انضم إلى الدول التي أعلنت عن استعدادها لمواجهة تنظيم ” الدولة الإسلامية”، وبالتالي فليس كل شيء على سوية واحدة في العالم العربي.واحست بخطورة داعش

بعد ان اخذ  يؤمّن نفسه مالياً من خلال سيطرته على منابع ومناطق إنتاج النفط في الموصل وسورية ، وقد صرح أناتولي أنطونوف نائب وزير الدفاع الروسي في مؤتمرصحافي في الاسبوع الماضي : “تعتبر العائدات من الاتجار بالنفط من أهم مصادر تمويل أنشطة الإرهابيين في سوريا. وتبلغ عائداتهم قرابة ملياري دولار سنويا، إذ يتم إنفاق هذه الأموال على تجنيد المرتزقة في أنحاء العالم كافة، وتسليحهم وتزويدهم بالمعدات. وهذا هو السبب وراء حرص تنظيم “داعش” الإرهابي على حماية البنية التحتية للإنتاج النفطي اللصوصي في سوريا والعراق”.

فالنفط يباع عن طريق تجارأتراك بعلم الحكومة التركية باسعار رخيصة جداً وينقل عن الطريق الدولي الرابط بينها والعراق حسب ما تحدثت عنه ارصاد الاقمار الاصطناعية وبمشاركة تجاراردنيين وسوريين وغيرهم من تجار الظل في بلدان عديدة اخرى .

 لقد اجرمت أنقرة اردوغان بتسهيل  دخول داعش والهجوم على كوباني،والدعم الامحدود لهم في العراق وشراء ذمم بعض القيادات السنية من السياسيين مما دفعت ذلك حكومته إلى مزيد من التورّط في مستنقع الشرق الأوسط بكل معطياته ومعادلاته المعقدة، التي كان الأتراك بعيدين عنها طوال سنوات خلت، وبذلك أصبح الرئيس التركي أمام سيناريوهات متعددة، فالدخول إلى سورية بغطاء دولي لا يبدو متوفراً حالياً في ظل التحالفات المختلفة الجديدة، وقد انقلبت الامورعليها بعد إشتعال الأوضاع في الداخل التركي، مما قد يدفعها الإعتراف بهزيمة مشروعه في المنطقة.في المحصلة كانت سورية الفخ الكبير الذي وقعت فيه تركيا وأدواتها وهي الآن وبعد مضي اكثر من أربع سنوات من تقديم العون للقوى المتطرفة فإنها تبحث عن المخرج السريع والآمن للفخ الذي تم حياكته وتفصيله عليها من الغرب، وبعد ان بان للعالم أن التهديد الحقيقي في الظروف الراهنة يتمثل في وجود ” الدولة الإسلامية” نفسها وفي النزعة نحو توسيع هذا التنظيم الذي حمل في البداية اسم ” الدولة الإسلامية في العراق والشام”.واليوم اخذت واشنطن التخلي عن  مهمة اسقاط النظام في سورية بل اتجهت لمحاربة الارهاب اثر فشلها في الوصول الى اهدافها وخروج داعش عن الخطوط الحمر المتفق عليها باتجاه اوروبا مما دعى كيري وزير الخارجية الامريكية الاعتراف على هامش اجتماع في بلجراد لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى أن الضربات الجوية لن تتمكن وحدها من هزيمة الإرهابيين ولن يتم كسب المعركة بالكامل دون إيجاد قوات برية مستعدة للإجهاز على داعش، وأوضح كيري أنه يقترح نشر قوات سورية أو عربية للقيام بهذه المهمة يعني محاولة توريط دول اخرى في حروب وصراعات جديدة لاطالة امد الحرب في المنطقة فقط. حيث تجني ثمارها في بيع المليارات من الاسلحة المتنوعة . وكان «معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم» (سيبري) كشف أن «صادرات الأسلحة إلى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي قفزت بنسبة بلغت حوالي 70% خلال الفترة من 2005 – 2009 وحتى 2010 – 2014، ما يمثل 54% من إجمالي واردات الأسلحة إلى الدول في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة من 2010 – 2014».

 وأوضح التقرير أن «الولايات المتحدة الأمريكية شكلت ما يقرب من نصف إجمالي مبيعات الأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط، يليها روسيا والمملكة المتحدة». وكشف  تقريراخر صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية في لندن في يوليو 2014 ، «أن إجمالي صفقات الأسلحة في العالم العربي خلال 2013 بلغ نحو 165 مليار دولار»، منبهًا إلى «أن الإنفاق على التسليح في المنطقة زاد في أعقاب أحداث الربيع العربي بمعدل مرتفع، حيث بلغ متوسط ​​الإنفاق على الأسلحة خلال الفترة من 2002 إلى 2010 مبلغ 70 مليار دولار سنوياً، ولكنه زاد على ذلك بكثير في العامين الماضيين ووصل إلى 100 مليار دولار سنويًا»، محذرًا من أن «الإنفاق على التسليح في المنطقة العربية لا يتناسب مع احتياجات تنميتها». –ويمكن القول أن الولايات المتحدة باقيةٌ في منطقة الشرق الاوسط، وأنها تسعى في بناء عَلاقات أطول أجلاً, وأعمق مع أقرب شركائها، الذين قاموا بسفك دماء بعضهم, جنبًا إلى جنب مع نظرائهم التابعين وحسب ما تملي عليهم مصالحها ودول المنظومة الغربية ,وينبغي أن يكونَ من الواضحِ أنه في ظل أيِّ سيناريو من الممكن التنبؤ به ؛ فإن الولايات المتحدة سوف تظلُّ محتفظةً بمصالحَ قويةٍ من الناحية الاستراتيجية, ترتبط بأمنِ شركائها في هذه المنطقة الحيوية. –