في خمسينات القرن الماضي طلبت اثيوبيا من الولايات المتحدة الامريكية التعاون على اجراء دراسة شاملة لحوض النيل الأزرق الذي يشكل 60% من مياه نهر النيل، وقد تمخض عن ذلك التعاون اتفاق رسمي بين الطرفين جرى التوقيع علية في 9/اغسطس 1957، وبذلك كلف مكتب الاستصلاح الامريكي التابع لوزارة الداخلية الامريكية المشاركة في مشروع الدراسة المشترك بعنوان “البرنامج التعاوني للولايات المتحدة الأمريكية الاثيوبية” لدراسة حوض النيل الأزرق، وقد استمرت تلك الدراسة خمسة سنوات (1958-1964) التي بموجبها تم تحديد 26 موقعاً لإنشاء السدود أهمها أربعة سدود على النيل الأزرق الرئيسي: كارادوبي، مابيل، مانديا، وسد النهضة بإجمالي تخزين قدرة 81 مليار م³. وقد تم احالة المشروع إلى شركة ساليني الإيطالية بتكلفة تبلغ نحو 4.8 مليار دولار، وفي 2 أبريل 2011 تم وضع حجر الاساس لبناء السد الذي عرف في البداية بسد بودر او سد حداسة على النيل الازرق في ولاية جوبا غرب اثيوبيا على بعد 20-40 كم من الحدود السودانية، وعلى ارتفاع حوالي 500-600 متر فوق سطح البحر، وأطلق عليه تسمية سد الألفية الكبير، ثم تغيّر الاسم للمرة الثالثة ليصبح سد النهضة الإثيوبي الكبير كواحد من أكبر الخزانات في القارة الأفريقية ويعتبر أحد السدود الأربعة التي اقترحتها الدراسة الأمريكية عام 1964 كما مبين انفاً .. وبذلك وجدت امريكا ضالتها في سد النهضة للاضرار بمصر نكايةً بالقرار المصري الذي اتخذ في حينه باللجوء الى الاتحاد السوفيتي السابق لبناء السد العالي وبالمناسبة هناك موقف مشابه اتخذته بريطانيا عام ١٩٩٩ بمنح تركيا القرض المتعلق ببناء سد اليسو للاضرار بالعراق خلال فترة الحصار .. المهم منذ ذلك الحين وامريكا تقدم الدعم الى اثيوبيا لإكمال متطلبات بناء السد، لحين قرار الرئيس ترامب تعليق المساعدات المالية لإثيوبيا التي تقدر بقيمة 272 مليون دولار بسبب تعنتها في افشال المحادثات التي رعتها واشنطن حول ملئ خزان السد .. بينما ادارة الرئيس بايدن تراجعت عن قرار الرئيس ترامب بايقاف المساعدات واعلنت في 19 فبراير 2021 على لسان المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، نيد برايس، بان الولايات المتحدة ترى عدم وجود رابط ما بين تعليق تلك المساعدات ومشروع سد النهضة .. وعلى اثر ذلك طالبت مصر والسودان ادارة الرئيس بايدن باعادة النظر في موقفها الذي يعتبر بمثابة دعم لمواقف اثيوبيا والذي يشكل تهديدا وجوديا لمصر والسودان، بينما ردت وزارة الخارجية الامريكية على لسان متحدثها أن الولايات المتحدة لم تجد ترابط بين المشروع وبين المساعدات الانسانية العامة التي تقدمها امريكا للدول ومنها اثيوبيا، واضاف ان امريكا ستواصل دعم الجهود المشتركة في ايجاد حل دبلوماسي يشمل الاطراف المعنية، بينما حذرت الخارجية السودانية من المراوغات الاثيوبية مشيره الى ان المخاطر لا تكمن في المرحلة الثانية لملئ الخزان كما تروج اثيوبيا وانما الخلاف يكمن في موضوع توزيع حصص الموارد المائية الذي يفترض ان تتم بموجب اتفاق ثلاثي ملزم لجميع الاطراف والذي تتهرب منه اثيوبيا لهذا اعتبرت الخرطوم النوايا الاثيوبية تهديداً لامنها القومي لان الغاية من التعنت الاثيوبي يراد منه التحكم في توزيع الحصص المائية .. مما يعني اما قبول شروط مذلة ترهن الامن المائي لمصر والسودان بيد اثيوبيا كونها دولة رئيسة لمنبع نهر النيل او توريطهم في حروب استنزاف من غير غالب ولا مغلوب، واكيد لم تكن اسرائيل الحاضر الغائب بعيده عن هذا المشهد فهي عملت بصمت مع اثيوبيا منذ مايو 2019 على بناء منظومة دفاع جوي حول السد تحوي على صواريخ سبايدر المضادة للطائرات التي ثبت فاعليتها في الحرب الهندية الباكستانية والتي اعتمدتها الهند رسمياً في دفاعاتها الجوية لما تحتويه من رادار راصد ثلاثي الابعاد يستطيع تعقب 500 هدف جوي وتعمل في مختلف الظروف الجوية وتحتوي على نظام تعريف العدو من الصديق بجانب نظام التشويش الالكتروني، وعلى اثر ذلك تعاقدت مصر مع فرنسا على شراء طائرات الرافال الفرنسية التي لها فاعلية في اختراق الدفاعات الجوية وامكانية الوصول الى العمق بواسطة صواريخ ستورم شادو الشبحية التي تتميز برأس حربي ثقيل يتمكن من اختراق التحصينات الكونكريتية لسد النهضة ومن ثم الانفجار داخل الهدف .. وهذا لا يعني ان مصر ذاهبة الى خيار الحرب بالرغم من رفع سقف لهجة الخطاب التحذيري خلال حديث الرئيس السيسي عن الخيارات المفتوحة التي غالباً ما تستخدم هكذا خطابات في المفاوضات الصعبة والمتعثرة .. بمعنى ان قيادة مصر أعقل من ان تنزلق في هذا المنحنى الخطير لما للدبلوماسية المصرية من باع طويل في فن التفاوض والنفس الطويل خصوصا بعد التفاهم والتنسيق المشترك مع السودان الذي كان لة الاثر في تقوية موقفهما التفاوضي وتعزيز تحركهم الدولي للضغط على اثيوبيا باستخدام اسلوب الجزره والعصا أي بعد تهديد السيسي اكد الفريق البرهان على التمسك بخيارات الحل السلمي ومنها اللجوء الى مجلس الامن والتحكيم الدولي لغرض تدويل الملف علاوة على الوساطة الافريقية في العاصمة الكونغولية كنشاسا بالاضافة الى العرض الذي قدم من قبل مصر والسودان بأشراك الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة لايجاد حل لهذة الازمة ليتسنى عدم انفراد امريكا باللعب على جميع الاطراف التي تدعم التعنت الاثيوبي في الخفاء وتدعي انها مع الموقف المصري السوداني في العلن ومرة تقدم مساعدات لهذا الطرف ومرة تحجبها .. هذة السلوكيات الامريكية التي اعتاد عليها المجتمع الدولي لم تعد غريبة على مصر والسودان لان اللعبة الامريكية تكمن في وضعهما بين خيارين اما الموت عطشاً او الحرب .. مما يعني ان امريكا تريد ان تجعل من سد النهضة فخ لمصر اشبة بفخ الكويت الذي نصب لتوريط العراق في حرب ادت الى احتلاله وتدمير بناه التحتية لانه لم يبقى من الدول العربية الكبرى غير مصر والسعودية حافظتا على استقرارهما ووحدة اراضيهما واليوم كثير من الدوائر المشبوهة تحيك المؤامرات ضدهما.