حيدر صبيسئل : ولم قمت بإنفاذهم ودفعت لهم فدية كلفتك مئات الآلاف من الدولارات ومن حر مالك ؟
أجاب : يقول التلمود اليهودي : من انقذ حياة واحده كأنما أنقذ العالم بأسره .فالتلمود يتحدث عن الحياة بصورة عامة ولم يقل من ينقذ حياة يهودي او مسلم او مسيحي . ويضيف ” إننا جميعا خلقنا الله من نفس واحدة لنكون أمة واحدة أيضا يساعد بعضها البعض وتتراحم فيما بينها .
انه اليهودي (( ستيف مامان )) الذي يعيش في كندا والمؤسس لمنظمة انسانية هدفها تحرير اطفال ونساء مسيحيين وأيزيديين ومسلمين عراقيين وقعوا بقبضة داعش الإجرامية وايضا منظمته استطاعت من ايصال مساعدات للاجئين السوريين والعراقيين وصلت الى 1.3 مليون دولار قدمتها كمساعدات للفارين من جحيم الحروب والاسر ، حيث بلغ عدد المستفيدين من العراقيين من تلك المنظمة زهاء 25000 شخص بينما بلغ عدد السوريين المستفيدين حوالي 5000 معظمهم تلققوها في اليونان .
تعرفت على سيرة الرجل مصادفة وأنا أحقق في موضوع كنت حزمت أمري أن أخوض عبابه ، ولصعوبة الحصول على المعلومة التي كنت أنشدها اضطررت البحث مستنجدا العالم المتنور والفقيه المتبحر آية العلم والمعارف ” محرك البحث كوكل عافاه الله من كل هكر ” ، أثناء البحث وقعت عيني على صورة لشاب بدا لي من أصول عربية “هكذا بدت لي ملامحه للوهلة الأولى ” وقبل أن أطوف على ما ذكر من أحداث سردها في لقاء له مع أحدى المحطات التلفزيونية العالمية .
بعد أن أنهيت قراءة لقاءه أصبت بالدهشة إذ كيف ليهودي بفرضية إنه ” عدو ” من أن يحمل هكذا معان إنسانية عظيمة لا يستطيع حملها لا أخ ولا صديق ولا عالم دين تدين بمذهب أو طائفة يظن أنه الحق وهو بعيد عن حقانية الدين السماوي السمح ؟ ! .
لم تكن مهمة الشاب بالسهلة فليس معنى ان تدفع أموالا لتفك بها قيد أسير كان سجينا عند أخطر جيل للإرهاب (( داعش )) بمعنى سيكون لك الطريق معبدا بالورود وستأتي بهم من دون أن يكون محفوفا بالمخاطر والصعاب .
لقد عرض السيد ( مامان ) حياة فريقه للخطر قبل أن يعرض حياته هو للموت ، وينجز مهمته بتحرير 140 مابين طفل وطفلة وعدد من الفتيات باعمار بين 22 – 17 سنة وعلى مدار 8 أشهر عصيبة بذل فيها الجهد والوقت وتحمل عناء السفر يجوب تخوم دول لا تنظر لليهودي نظرة ارتياح ولا تحسبه سوى ” عدو مغتصب للارض !!” ، على الرغم من أن العدو هذا يضع حياته أمام مقصلة العصابات المجرمة ويبذخ من امواله الخاصة ليفك اسر افراد ينحدرون من ملل ومذاهب وقوميات مختلفة واذن هم ليسوا باليهود لكنه آل على نفسه الا ان يخوض التجربة المرة بأحداثها بيد انه كان يتطلع نحو النهاية الجميلة بفكاك أسر السبايا والمختطفين من الاخوة الأيزيديين .
الشيء الأشد غرابة والذي قرأته ضمن سرديته للاحداث هو قيام هذا ( اليهودي العدو ) بتحرير اثنين من (((الشيعة ))) بعد أن دفع دية عن كل منهما وبما ناهز ال 30 الف دولار أمريكي .. يا له من عدو غاشم إذن !! . ولهذين الرجلين الشيعيين قصة طويلة لا يسع المقام لذكرها فقط أنوه انه بسببهم خسر الشاب اليهودي مامان علاوة على مبلغ الدية ما قيمته ال ٣٠٠ الف دولار امريكي في لعبة لم يتوصل هو بنفسه لفك طلاسمها والوقوف على حيثياتها بدلالة الحادثة التي نسجت خيوطها بأنامل من إئتمنه عليها كون السيد” مامان ” رجل اعمال وتاجر في السيارات القديمة ؟ وهي إقصوصة أخرى جاء ذكرها استطرادا جانبيا في الحوار .
” ستيف مامان ” هذا الاسم يجب ان يبقى عالقا بذاكرة العراقيين ، وان يحفر على الالواح الطينية لبلاد سومر ، ويستحق ان نسبغ عليه بلقب ” ذو القلب الرحيم ” . شكرا لك يا ستيف الطيب ، شكرا أبدا ما بقينا فما قمت به يستحق الفخر اذ ان الاقدام على هكذا اعمال لا يمكن لاي منا فعلها مالم يتحل صاحبها بطباع وصفات ” ستيف النبيل – ستيف الكريم ” ، لقد أعطيتنا الدرس الأمثل في الإنسانية وعلمتنا أن الأديان السماوية تفيض على البشرية من نبع واحد لتصب بأغادير متعددة ويبقى لكل منا منهله الذي منه يروي لظى عطشه . باركك الاله ستيف وانت برهنت لنا ان الحكومات لها شأنها السياسي وهي لا تمثل الشعوب ولا تثنيها عن القيام بواجباتها الانسانية وفيما توفرت صفة الارادة والشجاعة والمحبة في الذات البشرية وكما توافرت عند ستيف الانسان .
ستيف مامان – الدرس والرسالة
ستيف مامان – الدرس والرسالة
حيدر صبي
كاتب ومحلل سياسي وناشط في الدفاع عن حقوق الانسان ومدير وكالة وفا نيوز الاخبارية
مقالات الكاتب