كان يحرك جسده الثقيل على كرسيه الكبير في مكتبه الفخم، ويتحدث بفلسفة العارفين، منبها إياي، وأنا الموظف الصغير: هذا الكرسي مثل كرسي الحلاق، مهما طال جلوسك عليه لابد أن تقوم عنه. كان يتحدث مزهوا منتشيا، و لم يكن يضع في الحسبان فكرة متى سيقوم عن الكرسي، وكيف سيقوم؟ بمزاجه، أم بفعل قوة قاهرة ترغمه على القيام عنه؟ ودليل ذلك إنه كان يشتم الموظفين، وعلا عليهم وطغى، ولو كان يدرك شيئا من ذلك لما تكبر وتجبر.
لو كان الإنسان يعلم الساعة واللحظة التي تنزع فيها روحه لتصرف بطريقة مختلفة. أحدهم رأى حلما شبهه بالكابوس، إنه في منامه، وقد تسلط عليه كيان غريب لم يألفه، وأطبق على أنفاسه، ووضع كلتي يديه على رقبته، وأخبره إنه سيموت بعد تسعة أيام. حين أفاق كان الرعب يحكمه، وإحتضن أولاده، وتغير مزاجه، وصار أكثر لينا وسهولة، ولم يعد يرفع صوته، لكنه وبعد مضي الأيام التسعة عاد الى ماكان عليه قبل أن يرى مارأى في المنام.
يسالون: لماذا يكون المريض طيبا رقيقا، و متسامحا، يسأل كل من يزوره أن يغفر له ويسامحه إذا كان تسبب له في مشكلة، أو أساء إليه بقصد، أو بغير قصد؟ وهذا في تكوين الإنسان طبيعي للغاية. فهو شبيه بطريقة حياته التي يبدأ فيها ضعيفا، ثم يتقوى، ويطغى، ثم ينتابه الضعف والهوان، ولايستطيع أن يحكم الأشياء كما كان يحكمها عندما كان قويا، ثم يذهب راغما الى الفناء.
كان أحدهم، ويعمل في مؤسسة، وكان مديره يشفق عليه، فيقول له: عد نفسك أنت المدير، وبمرور الوقت صار يتدخل فيما لايعنيه، وفيما لايعرف، وفيما ليس من شأنه، بل ولايفهمه، لكنه غفل عن مهمته التي كلف بها، وتجاوزها الى ما لايحق له، فأصبح محط نقد وسخرية العاملين معه، لكن المدير لم يتوقف عن الشفقة، بينما غادر هو العمل، وعاد الى ماكان عليه.