23 ديسمبر، 2024 4:13 ص

اقف الى نافذة غرفتي المطلة على الحديقة الامامية للمنزل والتي تواجه الباب الكبير الذي كان مواربا بعض الشيء ما يمكنني من رؤية الطريق ……..انتظر عودتها .
مضى وقت ليس بالقصير وانا على تلك الحال.
سمعته يتساءل:
مضى وقت طويل وعيناك معلقتان الى النافذة …؟
انني انتظر عودتها…
من هي…؟
هي …هي…التي انتظر.
منذ متى رحلت…؟
منذ زمن بعيد اخاله قرون من الزمن.
انا اسألك عن الفترة الزمنية المحددة للرحيل وليس كما تخاله انت.
هي رحلت منذ…………………
سؤالي الآخر لم تجبه…؟
وما هو سؤالك…؟
من هي…؟
ليس ذلك من شأنك .
لكني طبيبك الذي اريد ان اعرف ما يمكن لي من خلاله معرفة الطريق الى الشفاء.
وان لم اجب…؟
ذلك يجعلني في موقف صعب وقد افكر في ايجاد وسائل اخرى تكلفني الكثير من الجهد.
اذن جوابي يساعدك…؟
هذا مما لاشك فيه وهو بالتالي يساعدك على الشفاء بأذن الله تعالى.
رأيته ينظر اليَّ كأنه يختبر كوامني وما أفكر فيه للوصول الى الحقيقة التي لا اريد البوح بها لذا بقيت مركزا نظراتي اليه بثبات وكأنني تمثال ليس في حياة.
هكذا بقينا لفترة ليست بالقصيرة لكني في النهاية ودون ارادة مني تأوهت اجل قلت آه… خرجت من اعماق صدري وكأنها نزف دم غزير.
بعد لحظات قلت له:
لا أظن دواؤك يشفيني لأنني انا نفسي لا أريد الشفاء ان كان ما احس به مرضا.
– ليس لك حق في ذلك.
كيف هي نفسي…وانا حر بها.
هي نفسك حق ولكن هذا الحق ليس منوطا بك وحدك بل لك ولأسرتك ومجتمعك ووطنك والبشرية جمعاء في ان تكون أحد الذين يساهمون في بناء هذه الحياة.
لم اجبه لكني فاجأته بضحكة ساخرة هي للبكاء اقرب منها للضحك.
سألني مستغربا
ما الذي يضحكك …؟بعد لحظة صمت اضاف:
لا أظن أني قلت شططا من القول ,الست تعلم انك فرد من أفراد هذه البشرية الواسعة, فردا من افراد هذه القومية التي تنتمي لها ,فرد من أفراد هذا البلد.
فقاطعته مواصلا:
فرد من افراد هذا المجتمع ,هذه المدينة, هذا القضاء ,هذه الناحية, هذا الزقاق, هذه الاسرة……………….
حدَّق بيّ مستغربا كلماتي التي لا يمكن ان تصدر عن رجل مشوش او مهووس أو مختل العقل كما قد أخبروه عني .
لذا وجدتني اقول
لست مجنونا او مهووسا أو مختل العقل, انا لست مريضا بالجسم أو بالنفس ,انني فقط اتطلع الى التي ذهبت ولم تعد.
عاد من جديد يسألني:
من هي…؟
نظرت اليه غاضبا فواصل الحديث متجاهلا نظراتي الحادة قائلا:
أنا معك انت تنتظر التي ذهبت ولم تعد ولكن قل لي من هي علني اساعدك في البحث عنها وربما ايجاد وسيلة ما يمكن ان تعود لك من خلالها.
ارتسمت على وجهه ابتسامة امل في أن الجواب صار ميسورا لكني لم اتركه يتمتع بذلك الأمل طويلا إذ صرخت غاضبا :
ذلك ليس من شأنك ولا الزمك التحري عن أي كان فقط اطلب اليك ان تتركني وحيدا …انتظر عودتها فقط …ذلك ولا غير.
لم يجبني بكلمة لكنه لم يتركني وحيدا ,بدى لي قوي الارادة ولا يمكن ان يستسلم بسهولة وقرأت في نظراته تزاحم افكار شتى من أجل وضع خطة جديدة يسبر من خلالها غور نفسي ومعرفة مكامنها لذا اشحت عنه وجهي وفتحت نافذة غرفتي على مصراعيها وجمعت الى اطرافها الستائر التي لم تنشر مذ رحلت التي انتظرها.
…………………………
اي مكان اكون فيه تكون معي. كل جارحة فيَّ تضم حروفك ويقوم فيها معبد للصلوات.
يا مجدي وكينونتي يا موعد الحياة وما يمضي به الموت ,اي مجد يحتويني اذ احمل اسمك الغالي.
اسمك هو الحروف الاولى والأخيرة للحياة ,هو النبتة المزهرة ابدا للحياة بل اميرا ابديا للحياة بل مليكها بل امبراطورها, بل مستبد دائم ووحيد ….
انت يا انت يا ايها الذي تضاءلت عنده عمالقة الجبروت فانصهرت بميلاد مجدك كأنها لم تكن وان خلفت الكثير الكثير من المآسي.
يا انت يامن تفيض على الدنيا بشموس من الامل وأقمار من الجمال رغم ما يحوطك من مكائد المجرمين وتستل عليك من أغمدتها سيوف الغدر.